الأحد, 24 أغسطس 2025 05:13 PM

حذف الأصفار من الليرة السورية: خطوة نحو الإصلاح أم مغامرة اقتصادية محفوفة بالمخاطر؟

حذف الأصفار من الليرة السورية: خطوة نحو الإصلاح أم مغامرة اقتصادية محفوفة بالمخاطر؟

القامشلي – نورث برس

أثار إعلان الحكومة السورية الانتقالية عن نيتها حذف صفرين من العملة المحلية جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية. انقسم الخبراء بين مؤيدٍ يرى فيها خطوة ضرورية لإعادة هيكلة الاقتصاد وتعزيز الثقة بالعملة الوطنية، ومعارضٍ يحذر من تداعيات خطيرة ما لم تصاحبها إصلاحات اقتصادية شاملة وجذرية.

كشف حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، لوسائل إعلامية عن إطلاق عملة سورية جديدة بتصميم يعكس تطلعات السوريين نحو الاستقرار، مؤكداً أن "هذه الخطوة تأتي ضمن حزمة سياسات نقدية تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي". وأشار إلى أن حذف صفرين من العملة السورية سيسهم في تعزيز ثقة المتعاملين وتسهيل العمليات المالية.

بعد سياسي وآخر اقتصادي

يرى الخبير الاقتصادي محمد حفيد أن هذا القرار يندرج في إطار محورين رئيسيين: محور سياسي يسعى إلى إزالة رموز النظام السابق وتعزيز الثقة والاستقرار النقدي، ومحور اقتصادي يهدف إلى دعم إعادة الإعمار، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وإصلاح النظام المصرفي.

ويضيف حفيد لنورث برس: "من الإيجابيات المحتملة لهذا القرار تسهيل التعاملات اليومية والتجارية، والتخلص من تعقيد الأرقام الناتج عن التضخم، وتعزيز الانطباع بالاستقرار الاقتصادي، مما يقلل من مخاطر التزوير ويدعم حماية الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار المحلي، لا سيما في قطاعي الطاقة والإعمار".

لكن الخبير الاقتصادي يحذر من سلبيات محتملة في حال طُبق القرار دون وجود احتياطي نقدي كاف من العملات الأجنبية، قائلاً: "قد يؤدي إلى تضخم جديد ويفاقم الأزمة الاقتصادية، فحذف الأصفار بحد ذاته ليس إصلاحاً اقتصادياً جذرياً، ولا يمثل حلاً لمشكلات الإنتاج والبنية التحتية أو الاستقرار العام".

فرصة لإعادة الهيكلة

من جهته، يشدد الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي على أن حذف الأصفار خطوة "كان يجب اتخاذها منذ سنوات"، موضحاً أن الاقتصاد السوري في عهد النظام السابق لم يكن مهيأً لمثل هذه الخطوة بسبب انهياره واعتماده على اقتصاد الظل.

ويقول قضيماتي في تصريح لنورث برس: "المرحلة الحالية تمثل فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري، في ظل قوانين جديدة تخص السياسة النقدية والمالية، والانفتاح على البنوك الإقليمية والدولية". ويوضح أن حذف الأصفار سيسهم في تسهيل عمليات التبادل التجاري والصرف، والحد من الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الدولار والليرة التركية، بالإضافة إلى حل أزمة السيولة في البنوك عبر توفير كميات كافية من العملة الجديدة".

اعتبر الخبيران أن القرار من حيث المبدأ صائب، واتفقا على أن نجاحه مشروط بتنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية تشمل: "تحسين الإنتاج المحلي، وإصلاح البنية التحتية، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، ومكافحة الفساد المرتبط بعملية استبدال العملة، بالإضافة لتأمين احتياطي نقدي قوي يدعم قيمة العملة الجديدة".

ويشير الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي إلى احتمال حدوث تضخم خلال السنتين المقبلتين نتيجة التبديل، لكنه رجح أن تنخفض آثاره في حال استمرار الانفتاح وجذب الاستثمارات.

مخاطر فقدان الثقة بالعملة

يرى الباحث الاقتصادي خورشيد عليكا أن إصدار عملة سورية جديدة قد يبدو ضرورياً في سياقات معينة، لكنه يحذر من سلبيات كبيرة قد ترافق هذه الخطوة، خاصة إذا لم تكن جزءاً من مشروع سياسي واقتصادي شامل يعيد الثقة والاستقرار.

ويقول عليكا لنورث برس: "يمكن تلخيص أبرز السلبيات كما يلي: فقدان الثقة بالعملة وعدم الاستقرار، واضطراب السوق، والتبديل المفاجئ للعملة قد يؤدي إلى فوضى في الأسواق ونقص في السيولة، وهروب رؤوس الأموال من خلال فقدان ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، ما يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات".

ويضيف: "كما أن هناك سلبيات أخرى للقرار كنشاط المضاربين من استغلال عملية التغيير لرفع الأسعار أو تخزين السلع، وزيادة التضخم وتآكل القوة الشرائية، ورفع الأسعار بشكل غير مبرر من قبل بعض التجار عند التحويل للعملة الجديدة، وتآكل سريع لقيمة العملة الجديدة في حال لم يتم تنفيذ إصلاح اقتصادي حقيقي، مما يضعف القوة الشرائية للمواطنين، واحتمال توجه المواطنين لاستخدام عملات أجنبية (الدولرة)، مما يعني فقدان السيادة النقدية والاعتماد على سياسات اقتصادية خارجية".

ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن العملة الجديدة لن يكون لها قيمة حقيقية ما لم تكن جزءاً من عقد اجتماعي جديد يعكس الثقة الشعبية ويوحد المؤسسات، ويقول: "في غياب هذا تبقى الخطوة مجرد رمزية دون تأثير فعلي على الاقتصاد".

إعداد وتحرير: عبدالسلام خوجة

مشاركة المقال: