الإثنين, 1 سبتمبر 2025 11:29 AM

الدراما الشامية بعد التحول السياسي في سوريا: هل تتغير الصورة النمطية؟

الدراما الشامية بعد التحول السياسي في سوريا: هل تتغير الصورة النمطية؟

عنب بلدي – أمير حقوق – لطالما كانت أعمال البيئة الشامية جزءًا لا يتجزأ من الدراما السورية، بل وأكثرها هيمنة، خاصة خلال سنوات الثورة السورية، بالتزامن مع الانغلاق السياسي. وقد اتجهت الأنظار نحو هذا النوع الدرامي لتأمين سوق عرض عربية، بعيدًا عن الأعمال الاجتماعية التي لم تلقَ فرصًا خارجية.

منذ مسلسلي “أيام شامية” و”الخوالي”، شهدت الدراما السورية تصاعدًا في شعبية أعمال البيئة الشامية، التي تجسد الحارات الدمشقية القديمة في أوائل القرن الماضي، وترصد العادات والتقاليد، ومحاربة الاحتلال، والحراك الوطني، وتمجيد “كبار الحارة”، مع نشر صورة نمطية للمرأة الدمشقية في تلك الفترة.

قالب تجاري مكرر

وفقًا للناقد الفني عامر عامر، يتناول التوصيف النقدي لدراما البيئة الشامية عدة مستويات. فمن حيث المضمون، غالبًا ما تصور الحياة في دمشق القديمة، خاصة أحيائها الشعبية، خلال أواخر الاحتلال العثماني وبدايات الانتداب الفرنسي، مع التركيز على قيم الشهامة، النخوة، العائلة، الكرامة، ومقاومة الظلم.

تعتمد هذه الأعمال على حكايات الجيران والبيوت الدمشقية الكبيرة، حيث تتشابك قصص الحب والغيرة والتآمر. أما من حيث الشكل، فتعتمد على اللهجة الدمشقية، لتكون سهلة المتابعة عربيًا، كما يوضح عامر عامر لعنب بلدي. وتأخذ الملابس والديكورات طابعًا تراثيًا مألوفًا، وتستند الموسيقا التصويرية إلى المقامات الشرقية والآلات التقليدية.

ويرى عامر عامر أن هذا الصنف الدرامي تحول إلى قالب تجاري مكرر، يقدم قصصًا متشابهة وأدوارًا نمطية، خاصة بعد نجاح مسلسل “باب الحارة”. وقد أثار نقاشًا حول علاقته بالواقع التاريخي، ومخاطر أن تصبح الذاكرة الجماعية رهينة لصورة تلفزيونية.

دراما البيئة الشامية تحولت إلى قالب تجاري مكرر، يقدم قصصًا متشابهة وأدوارًا نمطية، كما أثارت نقاشًا عن علاقتها بالواقع التاريخي، وعن مخاطر أن تصبح الذاكرة الجماعية رهينة لصورة تلفزيونية أكثر منها صورة تاريخية.
عامر عامر
ناقد فني

أضعفت التنوع

في السنوات الماضية، طغت أعمال البيئة الشامية على الدراما السورية، وحدّت من إنتاج الدراما الاجتماعية، مستغلة الأوضاع السياسية التي قيّدت سوق المسلسلات الاجتماعية. ويرى عامر عامر أن البيئة الشامية كانت أداة لإبراز صورة مثالية عن “الوحدة الاجتماعية” و”التماسك الأخلاقي”، وتجنب تناول قضايا معاصرة قد تكون محفوفة بالمخاطر، بينما العودة إلى الماضي الدمشقي تبدو “آمنة سياسيًا”.

الفضائيات الخليجية وجدت في الدراما الشامية مادة قابلة للتسويق، لأنها ذات لهجة مفهومة، وطابع تراثي يجذب المشاهد، وتحمل قيم “الرجولة والشرف” التي تتماشى مع الخطاب المحافظ، ما خلق سوقًا مضمونًا جعل المنتجين يكررون النمط نفسه لضمان العرض والمردود المالي، إضافة إلى قلة التكلفة مقارنة بأعمال معاصرة.

لكن مسلسلات البيئة الشامية أسهمت في انتشار الدراما السورية عربيًا وخلقت “ماركة مسجلة”، إلا أنها أضعفت التنوع، وتراجعت الدراما الاجتماعية المعاصرة، وأهملت قضايا سورية راهنة.

من احتكار المشهد إلى الوجود المحدود

بعد الانفتاح السياسي الذي شهدته سوريا عقب سقوط نظام الأسد، يتوقع أن تستغل الدراما السورية هذا الانفتاح، وأن تتطور إنتاجية الدراما الاجتماعية، ما يحدّ من إنتاج أعمال البيئة الشامية. وخلال الثورة السورية، تحولت هذه النوعية إلى “ملاذ فني”، يبعد عن الخوض في الواقع السياسي أو الاجتماعي المعاصر.

ويرى الناقد عامر عامر أن الانفتاح السياسي لن يلغي دراما البيئة الشامية، لكنه سيعيدها إلى حجمها الطبيعي كجزء من المشهد، بينما تتقدم الدراما الاجتماعية لتحتل مكانة أوسع، وتنتقل البيئة الشامية من “احتكار المشهد” إلى “الوجود المحدود والمكمل”.

“نوستالجيا سطحية”

اليوم، بعد أكثر من عقدين على سيطرة دراما البيئة الشامية على المشهد، يمكن القول إنها تعاني أزمة تجديد، وتحتاج إلى جرأة فنية ونقدية تعيدها إلى موقعها كفن، لا كقالب تجاري مكرر، وأن تتحول من “نوستالجيا سطحية” إلى مختبر ثقافي يقرأ الماضي ليحاور الحاضر، كما يوضح عامر عامر.

كما تحتاج إلى الخروج من الاستهلاك التجاري، وتطوير اللغة البصرية، ودمج الحس التاريخي مع الفني، وتنويع الشخصيات والنماذج بدلًا من الارتكاز على شخصية الزعيم دائمًا، وإلى تجديد في المضامين، وتجسيد المرأة بشكل واقعي.

دراما البيئة الشامية بحاجة إلى جرأة فنية ونقدية تعيدها إلى موقعها كفن، لا كقالب تجاري مكرر، وأن تتحول من “نوستالجيا سطحية” إلى مختبر ثقافي يقرأ الماضي ليحاور الحاضر.
عامر عامر
ناقد فني

تشويه البيئة الشامية

الاتهام بـ”تشويه البيئة الشامية” لم يأتِ من فراغ، بل هو نقد تردد على ألسنة مؤرخين وباحثين وحتى بعض الدمشقيين أنفسهم، بحسب الناقد عامر عامر. ويرى أن البيئة الشامية اقتصرت في هذه المسلسلات على الحارة الدمشقية “المغلقة”، مع زعيم متسلّط، ونساء مقهورات أو “نمّامات”، ورجال منشغلين بالشرف والانتقام، بينما دمشق الحقيقية كانت مدينة متنوعة حضاريًا وثقافيًا.

ويشير إلى أنه لم يكن بالضرورة “تشويهًا متعمدًا”، بل نتيجة خضوعها لمتطلبات السوق والرقابة، وتفضيل التسلية و”النوستالجيا” على الدقة التاريخية. وقد حمل الموسم الرمضاني الماضي أكثر من 12 مسلسلًا، كانت خمسة منها دراما بيئة شامية، هي: “العهد”، “بنات الباشا”، “ليالي روكسي”، “تحت الأرض”، “السبع”.

مشاركة المقال: