يتساءل حسن حردان: ماذا يعني أن يتفق كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (الجيش و”الشاباك” و”الموساد” والاستخبارات العسكرية) على رفض العملية العسكرية في مدينة غزة، ويفضلون اتفاق تبادل جزئي، معتبرين الهجوم الواسع على غزة غير ضروري وغير مجد؟ والأهم، ماذا يعني انضمام وزراء من حزب «الليكود» نفسه، لأول مرة، إلى معارضة العملية؟
وفقًا لتسريبات صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عبر مصادر أمنية، فإن المسؤولين الأمنيين "فوجئوا" في جلسة الكابينت الإسرائيلي بتشكيك عدد من الوزراء، مثل وزير الخارجية جدعون ساعر، ووزيرة العلوم والتكنولوجيا غيلا غمليئيل، ووزير التعاون الإقليمي دافيد أمسلم، وحتى وزير العدل يرِب لوين، في جدوى الهجوم على غزة. وقد حذر الوزير أمسلم من تحول غزة إلى "فيتنام إسرائيل"، بينما نبه ساعر من تدهور مكانة “إسرائيل” الدولية.
وعلى نفس الصعيد، جاء تحذير رئيس الأركان، إيال زامير، واضحًا ومباشرًا، حين قال: «أنتم تذهبون إلى حكم عسكري. التخطيط الخاص بكم يقودنا إلى هناك”.
إلى ماذا يشير هذا؟ يشير هذا الرفض من قبل كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين والوزراء داخل حزب الليكود للعملية العسكرية الواسعة في غزة، إلى وجود انقسام عميق ومخاوف جدية داخل المؤسسة الإسرائيلية نفسها، بشأن الجدوى والمخاطر والتداعيات المتوقعة:
أولاً، عدم جدوى العملية العسكرية في غزة:
- يرى المسؤولون الأمنيون، من الجيش والموساد، أن العملية الواسعة لاحتلال غزة ليست ضرورية وغير مجدية. وينطلق هذا الرأي من خبرات ميدانية في ضوء العمليات السابقة، وتحليلات استخبارية، حيث يرون أن الأهداف التي تسعى إليها القيادة السياسية لا يمكن تحقيقها من خلال عملية عسكرية واسعة، إضافة إلى تكلفتها الباهظة.
- تفضيل الحلول السياسية عبر دعم اتفاق تبادل جزئي، يشير إلى أن المعارضين للعملية يفضلون مسارًا تفاوضيًا على المسار العسكري، إدراكًا منهم بأن هذا المسار قد يحقق نتائج ملموسة، مثل عودة الأسرى، بتكلفة أقل.
ثانياً، الخوف من أن تتحول غزة إلى "فيتنام إسرائيل":
- تحذير الوزير دافيد أمسلم من تحول غزة إلى "فيتنام إسرائيل" يعكس تخوفًا من الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد، يتورط فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بفعل حرب العصابات المتطورة التي تشنها حركات المقاومة الفلسطينية، في بيئة مدنية معقدة، مما يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، دون تحقيق النصر الحاسم الذي يريده رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو.
- قلق رئيس الأركان إيال زامير من "حكم عسكري" يعني أنه يرى أن الخطة العسكرية المقترحة ستقود إلى سيطرة إسرائيلية طويلة الأمد على قطاع غزة، وهو ما يعد عبئًا أمنيًا وإداريًا هائلاً وغير مرغوب فيه، لأنه سيغرق جيش الاحتلال في حرب لا نهاية لها، إضافة إلى تحمله أعباء إدارة القطاع.
- إشارة وزير الخارجية جدعون ساعر إلى تدهور مكانة “إسرائيل” الدولية تسلط الضوء على ازدياد الخسائر السياسية والدبلوماسية، لأن العملية العسكرية الواسعة ستؤدي إلى إدانة دولية واسعة، وتوقع فرض عقوبات، مما يضر بعلاقات “إسرائيل” مع حلفائها الغربيين، الذين يتعرضون لضغط شديد ومتصاعد من قبل الرأي العام في بلدانهم.
ثالثاً، تعمق الانقسام على المستويين السياسي والأمني:
- يكشف احتدام الخلافات داخل الحكومة عن مدى اتساع الانقسام والصراع بين القيادة السياسية المدفوعة باعتبارات سياسية داخلية وحلم بتحقيق المشروع الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، وبين القيادة الأمنية التي تتخذ قراراتها بناءً على تقييمات مهنية واستراتيجية، تشير إلى مخاطر حقيقية ستواجه “إسرائيل” وجيشها من التورط في شن الهجوم على مدينة غزة.
- انتقال المعارضة لتشمل وزراء من حزب الليكود نفسه للعملية العسكرية لأول مرة منذ بدء الحرب دليل قوي على تعمق هذا الانقسام. فالخلاف لم يعد بين الأحزاب، بل وصل إلى داخل الحزب الحاكم نفسه، مما يضعف موقف نتنياهو، ويجعل قدرته على اتخاذ القرار ليس بالأمر السهل.
من هنا يمكن الاستنتاج أن هذه المعارضة العسكرية والأمنية ومن قبل وزراء الحزب الحاكم إنما هي تطور جديد يحصل لأول مرة منذ بداية الحرب، وهي تشكل تحديًا غير مسبوق لسلطة نتنياهو، وتشير إلى أن العملية العسكرية الواسعة في غزة، كما يراها هؤلاء المسؤولون، قد لا تكون فقط غير ضرورية، بل قد تكون أيضًا كارثية على المدى الطويل على مستويات متعددة: عسكريًا، وسياسيًا، ودوليًا.. وتقود إلى غرق كيان الاحتلال الإسرائيلي في حرب استنزاف مماثلة لحرب فيتنام التي غرق فيها جيش الاحتلال الأميركي وأدت في النهاية إلى خروجه منها مهزومًا من دون اتفاق، تحت ضربات المقاومة الفيتنامية… (أخبار سوريا الوطن1-الكاتب)