الأحد, 7 سبتمبر 2025 09:48 PM

بين إيرادات قياسية ووعود بالإصلاح: الحكومة السورية تواجه تحديات الفساد والواقع الاقتصادي

بين إيرادات قياسية ووعود بالإصلاح: الحكومة السورية تواجه تحديات الفساد والواقع الاقتصادي

أثار تصريح وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، بشأن تجاوز الموارد لحجم الإنفاق والارتفاع الكبير في الإيرادات الجمركية، جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والإعلامية. وبينما اعتبره البعض تحولاً نحو الشفافية والإصلاح المالي، شكك آخرون في واقعية الأرقام ومصادر الفائض وتأثيره على حياة المواطنين.

خطاب مالي جديد: فائض دون تمويل خارجي

أكد وزير المالية محمد يسر برنية في تصريحات لقناة الإخبارية السورية أن الموارد الحالية تتجاوز حجم الإنفاق، وأن الزيادة في الإيرادات تعود بشكل أساسي إلى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية. وأشار إلى أن الإيرادات الضريبية الجمركية ارتفعت بأكثر من عشرة أضعاف مقارنة بما كانت عليه في زمن النظام البائد، وأن الحكومة تجني الآن في شهر واحد ما كان يُجنى في عام كامل. وأكد الوزير أن هذا التحسن سينعكس قريباً على الرواتب والأجور، خاصة في قطاعي الصحة والتعليم، مما سيحسن مستوى معيشة العاملين ويخفف الأعباء عنهم. وأضاف أن الزيادة ممولة بالكامل من إيرادات الحكومة، دون أي أموال خارجية.

تفوق الإيرادات بسبب سقوط منظومة الفساد

من جهته، أوضح الصحفي مصطفى السيد أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ سورية التي تتجاوز فيها الإيرادات الحكومية حجم الإنفاق. وتساءل عن مصدر هذه الزيادة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وأجاب بأن السبب هو اختفاء الحواجز العسكرية التي كانت تستنزف جزءاً كبيراً من الدخل الوطني عبر الفساد، والذي كان يقدر بأكثر من 20%. وأضاف أن سقوط نظام الأسد أدى إلى توقف منظومة الفساد الصغيرة، وأصبح الموظفون أكثر حذرًا من الابتزاز. وأشار إلى أن سوريا كانت تحتل المرتبة 177 من أصل 180 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، مع انتشار الرشوة والمحسوبيات والاختلاس. وأكد أن الحكومة تبذل جهودًا لمكافحة الفساد، من خلال خطة شاملة وإعادة هيكلة الهيئات الرقابية، مثل الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وتحديث الإطار القانوني وأتمتة العمليات الرقابية. ودعا الوزارات والمواطنين للإبلاغ عن الفساد، مع ضمان حماية الشهود والمبلغين، وإطلاق منصة إلكترونية للشكاوى. واعتبر السيد أن تزايد دور الإعلام المجتمعي ووسائل التواصل الاجتماعي ساهم في كشف حالات الفساد ومحاسبة المرتكبين.

بعض المؤسسات لم تصلها بعد موجة النزاهة

ومع ذلك، أكد مصطفى السيد أن بعض الموظفين الفاسدين ما زالوا يمارسون الابتزاز، خاصة في وزارة التعليم العالي. كما انتقد وزارة الإعلام السورية، قائلاً إنها ما تزال تمارس أنواعًا من الابتزاز والإقصاء تجاه الصحفيين السوريين الذين فرّوا من سوريا في عهد الطاغية، وتعمل وزارة الإعلام في العهد الجديد بذات الطريقة البيروقراطية التي كانت معتمدة في العهد البائد، مبتعدة عن حقوق الصحفيين الذين تركوا أعمالهم نتيجة قمع النظام السابق.

التصريحات إيجابية نظريًا لكنها تحتاج إلى تفسير عملي

من جانبه، وصف الأكاديمي والخبير الاقتصادي عبد الناصر الجاسم تصريحات المسؤولين الحكوميين حول مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية بأنها خطوة إيجابية، لكنه طالب بتفصيل عملي. وتساءل عما إذا كانت الزيادة في الإيرادات ناتجة عن مكافحة التهريب وتحسين الجباية، أم عن فرض ضرائب ورسوم جديدة. وأكد أن المقارنات مع مرحلة النظام السابق غير دقيقة، وأن التحليل الاقتصادي يجب أن ينطلق من الواقع الراهن. وأشار إلى أن الفائض بين الإيرادات والإنفاق قد يخفي قصورًا في خطط الإنفاق الاستثماري والخدماتي.

الرسائل سياسية أكثر من كونها إنجازًا اقتصاديًا

أما الأكاديمي والخبير الاقتصادي عبد المنعم الحلبي، فرأى أن تصريحات الوزير أقرب إلى رسائل سياسية تهدف إلى طمأنة الرأي العام، وأن غياب السلطة التشريعية وقانون الموازنة يضعف من مصداقية هذه التصريحات. وأشار إلى أن الفائض في الإيرادات قد يكون ناجمًا عن تخفيض النفقات، مثل تجميد رواتب الموظفين العسكريين والمدنيين وتخفيض مخصصات الجيش والأمن والشرطة وتقليص الدعم الموجّه للوقود والطحين. وانتقد طريقة الحكومة في تسويق المساعدات الخارجية أو الإيرادات الطارئة على أنها إنجازات، وأكد أن الإنجاز الحقيقي يجب أن يظهر عبر إحصاءات رسمية دقيقة وخطط إنفاق واضحة، وأن ينعكس مباشرة على حياة المواطنين اليومية.

تحوّل في الخطاب مع مخاوف تضخمية

من جهته، قال الأكاديمي والمستشار المالي والإداري د. عمر محمد إن تصريحات الوزير تمثل تحولًا مهمًا في الخطاب الرسمي تجاه إدارة المال العام، وأن الفائض، إن صح، يعكس تحسنًا في كفاءة التحصيل الضريبي، خصوصًا في القطاع الجمركي. وأشار إلى أن هذا النمو يرتبط بالنشاط الاقتصادي الجديد الذي يشهده البلد بعد الحرب، من خلال عودة أبنائه من الخارج، وانتعاش القطاع العقاري، وحركة الاستيراد الاستهلاكي. ورغم وصفه لجهود مكافحة الفساد بأنها “متواضعة”، رأى أنها “ساهمت في هذا التحسن”. وحذر من تحديات الاستدامة في ظل غياب الاستثمارات الأجنبية وضعف الدعم الدولي. وتطرق إلى وعد الوزير برفع رواتب العاملين في قطاعي الصحة والتعليم، واصفًا الخطوة بـ”الإيجابية”، لكنه حذر من “مخاطرها على التضخم إذا لم تترافق مع إصلاح شامل في هيكل الإنفاق وزيادة الإنتاجية”. وأكد أنه يفضل تخفيض أسعار الوقود والمواد الأساسية كالخبز والأرز، باعتبارها أكثر تأثيرًا على معيشة كل الأسر السورية. وختم بالقول إن التصريحات تمثل توجهًا نحو إصلاح مالي تدريجي قائم على الشفافية والشراكة مع القطاع الخاص، لكن نجاحه يتوقف على قدرة الحكومة على مكافحة الفساد، وتوسيع قاعدة الإيرادات، وتحقيق نمو اقتصادي حقيقي ينعكس على حياة المواطنين.

مشاركة المقال: