الإثنين, 8 سبتمبر 2025 03:58 PM

مراكز 'كارفور الصحة النفسية' تفتح أبوابها في سوريا: هل هي الحل لأزمة الدعم النفسي؟

مراكز 'كارفور الصحة النفسية' تفتح أبوابها في سوريا: هل هي الحل لأزمة الدعم النفسي؟

في خطوة تهدف إلى معالجة النقص الحاد في خدمات الصحة النفسية، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية عن منح تراخيص لعدد من المراكز المتخصصة في "الدعم والإرشاد النفسي" في دمشق ومحافظات أخرى. ووصف مسؤول في الوزارة هذه الخطوة بأنها "نقلة حضارية" تهدف إلى معالجة الآثار النفسية ورفع مستوى الصحة المجتمعية للمواطنين.

مراسلتنا، التي زارت أحد هذه المراكز، عادت بالتقرير التالي: عند دخولك المركز، أول ما تراه هو لافتة تؤكد أنك "ما زلت على قيد الحياة"، وهي بداية إيجابية للعلاج. تستقبلك موظفة الاستقبال بابتسامة، بينما تشاهد مقطع "لبت لبت هاها"، وتسألك: "أهلاً وسهلاً.. جاي على فرصة الجلسة المجانية؟ أم بتحب أشرحلك عن الخدمات؟".

تبدأ عملية التسويق بعرض باقة "الطبيعي البسيط" (50 ألف ليرة سورية)، التي تتضمن جلسة فردية مع أخصائي تلقى تدريبه على اليوتيوب لمدة أسبوع. وتشمل خدماتها أسئلة مثل: "شو أكبر هم عندك؟ الكهربا ولا المازوت؟"، وعبارات تطمين مثل: "لا تقلق.. كلنا عنا كهرباء مقطوعة.. إنت لست وحدك". بالإضافة إلى تمارين تنفس قصيرة (تتزامن غالباً مع انقطاع الكهرباء)، ونصيحة: "فيك تسب بس بقلبك". الهدف هو تحسين شعورك الفوري لمجرد أنك لست الوحيد الذي يعاني نفسياً.

ثم تنتقل الموظفة لعرض "باقة الصمود والانتصار" (200 ألف ليرة)، التي تتضمن جلسة مع معالج بخبرة تزيد عن 14 عاماً في تحليل نفسية المواطن الذي "انتظر ثم انتصر". يحق للمريض الصراخ في غرفة التفريغ الانفعالي المبطنة بالستائر القديمة، مع تحذير: "المركز غير مسؤول عن أي استدعاء للقصف الجوي من الذاكرة".

أما "باقة النخبة"، فسعرها مرتبط بسعر الصرف في السوق السوداء. وتشمل علاجاً بالواقع الافتراضي، حيث يُعرض على المريض فيديوهات لسوريا قبل عام 2011، لمساعدته على تذكر كيف كانت المدن قبل الدمار. تحذير: قد تسبب نوبات بكاء هستيري أو إنكاراً تاماً للواقع. وتشمل خدمات إضافية مثل "شوف الاستثمار وانسى اللي صار"، حيث يُعرض واقع افتراضي لمشاريع وهمية مثل "برج الفراشات" (المركز غير مسؤول عن الحالة النفسية لسكان المخيمات).

المدير العام للمركز، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، قال: "الخدمة الأكثر إقبالاً هي جلسة التقبّل والاستسلام، حيث نساعد المريض على تقبّل فكرة أن كل شيء على ما يرام، رغم أن كل شيء ليس على ما يرام. إنه تناقض علاجي ثوري".

وفي زاوية خاصة، يقدم المركز عرضاً ترويجياً لجميع السوريين: جلسة "صدمة مجانية على الطريق". لا حاجة للحجز، فقط اختر أي مكان عام وانتظر. وتشمل محتويات الجلسة:

  • صدمة من سعر سلعة أساسية (تشخيص: ذهول وجودي).
  • قتال شوارع كرمال صفة سيارة (تشخيص: اضطراب غضب).
  • انقطاع مفاجئ للإنترنت بعد ساعة اتصال (تشخيص: اكتئاب رقمي حاد).
  • حرب تخوين وخطاب كراهية على وسائل التواصل (تشخيص: انفصام اجتماعي).
  • عبارة "مانك مخطوفة إنت حرة" (تشخيص: رهاب اجتماعي).
  • سماع خبر سياسي من مصدر ما (تشخيص: تشوش وانقسام في الرأي).

عند مغادرة المركز، سألنا أحد المراجعين عن رأيه، فأجاب وهو يمسح دموعه: "منروح.. منضحك.. منتعالج.. ومنعرف إنو آخرتنا نطلع مرضى نفسيين.. بس مريض نفسي برخصة".

في ظل الأزمة الإنسانية الصعبة التي يمر بها السوريون، يبدو أن الحل الأخير هو الضحك على الجراح، ودفع ثمن هذه الضحكة من جيوبنا، في دوامة لا تنتهي. النصيحة الوحيدة: "خليك مجنون وعم تضحك.. أحسن ما تدفع كرمال تبكي".

مشاركة المقال: