شهد ريف حلب الشمالي والشرقي تصعيدًا في احتجاجات المعلمين، حيث وصلت الاحتجاجات لأول مرة إلى مدينة حلب. وتجمع عشرات المعلمين من مختلف المناطق في ساحة سعد الله الجابري، اليوم الأحد 7 أيلول، في وقفة احتجاجية حاشدة.
تجاوز التحرك الاحتجاجات السابقة، حيث انطلقت تظاهرة باتجاه مبنى مديرية التربية، وتميزت هذه المرة بنبرة أكثر حدة. طالب المعلمون المشاركون بإقالة مدير التربية، بالإضافة إلى المطالب الأساسية المتعلقة بـ "التثبيت وصرف الرواتب المتأخرة". يأتي هذا التصعيد بعد أقل من أسبوع من الاحتجاجات المتفرقة في مدن وبلدات الريف الشمالي.
التثبيت.. المطلب الأول
أكد أسامة شبيب، أحد منظمي الاحتجاجات، لعنب بلدي أن انتقال المعلمين إلى مدينة حلب جاء للمطالبة بتنفيذ وعود وزارة التربية والمعنيين بملفهم، وعلى رأسها تثبيت جميع المعلمين الذين شكلوا "الجزء الأساسي" من العملية التعليمية في الشمال. وأوضح أن معظمهم طلاب جامعيون لم يتمكنوا من إكمال دراستهم بسبب الملاحقات الأمنية وانخراطهم في الثورة.
أضاف أن المعلمين اضطروا نتيجة لذلك للتدريس في المخيمات وتحت القصف وفي ظروف النزوح، لكنهم يواجهون اليوم قرارات وصفها بـ "المجحفة" نتيجة التهميش. وتساءل عن مصير السنوات التي قضوها خارج الخدمة وما إذا كانت ستحتسب لهم. وانتقد شبيب تصريحات معاون مدير التربية المتعلقة بحجم الكادر التعليمي وأن المديرية بحاجة لوقت كي تتعامل مع ملف التثبيت، معتبراً أن ملف معلمي الشمال أحيل إلى المديرية منذ ثلاثة أشهر "لكن دون أي خطوات ملموسة حتى الآن".
"عمل بلا تقدير"
أفاد حسن حاج زينو، مدرس في بلدة أخترين منذ عام 2016، بأنه انقطع عن دراسته الجامعية في حلب مع انطلاق الثورة، وأنه سيعامل الآن على شهادة الثانوية بصفة "وكيل" دون تثبيت. وأضاف، في حديثه إلى عنب بلدي، أن المعلمين "فتحوا المدارس بجهودهم الخاصة" وعملوا لفترات طويلة دون رواتب. وأشار إلى أنه شخصيًا سجل ما يزيد على 1600 يوم عمل "لكن سيعامل كوكيل غير مثبت".
أوضح محمد صادق، المدرس في مدرسة الباروزة بريف أخترين، أن المعلمين كانوا يتقاضون رواتبهم من الجانب التركي منذ عام 2017 حتى توقفت في 1 تموز الماضي. وأحيل ملف الرواتب لاحقًا إلى مديرية التربية في حلب، لكنهم بقوا منذ ثلاثة أشهر بلا رواتب. وأشار إلى أنهم قدموا أوراق التثبيت قبل العطلة الصيفية، لكن حتى اليوم لم يصدر أي قرار يوضح الآلية أو الشروط المطلوبة، فيما يقترب العام الدراسي الجديد من دون وضوح في الوضع الوظيفي.
أكدت ديانا مكي، مدرسة مشاركة في الاحتجاجات، أن المعلمين في الشمال واجهوا ظروفًا قاسية من قصف وتهجير وعمل بلا مقابل، وحاولوا إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأطفال من الأمية. واعتبرت أن المعلمين لم يحصلوا على أي تقدير يوازي سنوات الخدمة، ومطلبهم الأساسي هو الحصول على أرقام ذاتية دون قيد أو شرط. وأشارت إلى أن قطاعات أخرى جرى دمج مؤسساتها باستثناء قطاع التعليم، منتقدة استمرار "التهميش والمماطلة".
مدير التربية يشرح
مع وصول الحشود إلى مبنى مديرية التربية في حلب وارتفاع الهتافات المطالبة بإقالة المسؤولين، حاول معاون مدير التربية، محمد عبد الرحمن، التحدث إلى المعلمين، إلا أنهم رفضوا الاستماع له وأصروا على حضور مدير التربية بنفسه. وتحت ضغط الأصوات وكثافة التجمع، اضطر مدير التربية في حلب، أنس قاسم، إلى النزول لملاقاة المحتجين ومحاولة تهدئة الموقف.
أوضح قاسم أن المديرية أكملت العمل على القاعدة الجديدة للرواتب وأن الملف الأول صار جاهزًا، ومن المتوقع صرف الرواتب اعتبارًا من يوم الاثنين أو الثلاثاء المقبل. وأضاف أن ملفات التثبيت الخاصة بجميع المعلمين قد وصلت إلى المديرية منذ نحو 15 يومًا، وتتم حاليًا عملية فرزها وتحضيرها. وأوضح أن بعض المعلمين لديهم أرقام ذاتية قديمة، والبعض الآخر مرتبط بفروع تعليمية مختلفة أو يحمل مؤهلات غير تعليمية، مثل الحقوق والصحة والهندسة.
"سأقدم استقالتي"
أكد أن المعلمين الذين لديهم رقم ذاتي وكانوا مثبتين لن يواجهوا أي مشكلة، بينما الملفات الأخرى قيد الدراسة وستكتمل خلال 15 يومًا لترفع إلى وزارة التربية. وأشار إلى أن أي مقترح للتثبيت يتطلب تكليفًا من رئيس الحكومة وموافقة الجهاز المركزي للرقابة المالية لضمان اعتماد التمويلات المالية. وأكد أن المديرية لم تهمل المعلمين، لكنها تواجه صعوبة في استعادة الثقة بعد تكرار التصريحات غير الملزمة. وأضاف المدير أنه إذا لم تحل المشكلات المتعلقة بالتثبيت والرواتب حتى الأول من تشرين الأول القادم، فإنه سيقدم استقالته.
في هذا السياق، قالت المدرسة حياة ناصر في مدرسة "علي بن أبي طالب" بمدينة إعزاز إن تصريحات مدير التربية أمام الإعلام يجب أن تعتبر ملزمة. وأوضحت، لعنب بلدي، أن أي تأخير بعد الموعد المحدد قد يفتح المجال لإعادة الاحتجاجات أو تنظيم أخرى جديدة إذا لم تتابع المديرية ملف المعلمين بجدية. من جهتها، اعتبرت خديجة عبد الرحمن، المدرسة في مدرسة "علي بن أبي طالب"، أن تجاوب مدير التربية يمثل "بارقة أمل" في معالجة الأزمة. وأكدت لعنب بلدي أن الهدف النهائي هو إصلاح الوضع دون استهداف أي جهة أو مسؤول.
هذا وشهدت مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي، بينها إعزاز، الباب، عفرين، جرابلس، ومارع، تظاهرات حاشدة لمئات المعلمين، احتجاجًا على التأخير في التثبيت وصرف الرواتب المتأخرة. ورفع المعلمون، في 3 أيلول، لافتات انتقدوا من خلالها ما وصفوه بـ "التلكؤ" في إجراءات وزارة التربية ومديرية تربية حلب. واعتبروا أن التأخير يمثل إهانة لجهودهم وتضحياتهم خلال السنوات الماضية. وجاءت تلك الاحتجاجات استجابةً لدعوات أطلقتها نقابة المعلمين السوريين الأحرار. ونشرت النقابة بيانًا على صفحتها في فيسبوك مع بداية أيلول الحالي، دعت فيه المعلمين إلى تنظيم وقفات سلمية للمطالبة بحقوقهم المعلقة.