الأربعاء, 10 سبتمبر 2025 09:13 PM

سوريا ما بعد الأسد: هل تحولت إلى صداع أكبر لأنقرة؟

سوريا ما بعد الأسد: هل تحولت إلى صداع أكبر لأنقرة؟

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" أنه عندما أُطيح بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في أواخر العام الماضي، بدا الأمر فرصة ذهبية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فالحرب في سوريا، وعلى مدى عقد من الزمان، كانت عبئاً على أنقرة بمشاكل لم تستطع حلها.

وأشار التقرير إلى أن من أبرز المشاكل التي واجهت تركيا هي تدفق ملايين اللاجئين السوريين، والميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، التي ترسخت على طول الحدود التركية، بالإضافة إلى هيمنة النفوذ الروسي والإيراني على المشهد، مما جعل أنقرة مكشوفة لموسكو وطهران.

بدا سقوط الأسد، على أيدي قوى مقربة من تركيا، وكأنه انفراجة وشيكة. فقد أعاد أردوغان وحلفاؤه فتح قنوات الحوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، للحصول على دعم الحزب الموالي للأكراد في البرلمان، بهدف تمهيد الطريق أمام أردوغان للفوز في انتخابات 2028، خاصةً أن تقويض جناح الحزب في سوريا كان سيعزز فرص تحقيق اختراق في الحوار مع أوجلان.

لكن بعد مرور ثمانية أشهر، أصبح المشهد معاكساً تماماً، إذ باتت سوريا تخلق صداعاً أكبر لأنقرة مما فعله الأسد نفسه.

إسرائيل..التحدي الأكبر

برزت إسرائيل بسرعة كأكبر تحدٍ لأنقرة في سوريا ما بعد الأسد. إذ لم تثق بالرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وسارعت لتوسيع حضورها بمجرد انهيار النظام السابق. ففي أقل من يوم بعد سقوط الأسد، دفعت القوات الإسرائيلية إلى داخل هضبة الجولان، وسيطرت على تحصينات مهجورة للجيش السوري.

وخلال عشرة أيام فقط، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية مئات الأهداف في أنحاء سوريا. وعلى الأرض، توغلت قواتها 12 كيلومتراً إضافياً في الداخل السوري، وأنشأت 9 مواقع عسكرية، وشقت طرقات، وزرعت حقول ألغام. وتسوّق إسرائيل هذه التحركات على أنها دفاعية ضرورية لمنع التهديدات الجهادية، وحماية الأقليات الهشة. أما أنقرة فتراها تقدماً إسرائيلياً يزعزع استقرار سوريا الهشة، ويقوّض عملية السلام التي أطلقها أردوغان مع حزب العمال الكردستاني.

إن قلق تركيا من التحركات الإسرائيلية في سوريا، يعكس هواجس أعمق من بروز إسرائيل قوة عسكرية مهيمنة في المنطقة. فمنذ هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وسّعت إسرائيل عملياتها، فهاجمت إيران ووكلاءها، وثبّتت وجودها في دول مجاورة، وأخيراً استهدفت حماس في قطر.

ورغم أن إضعاف طهران يُعد تطوراً محل ترحيب، من منظور أنقرة، فإن النهج الإسرائيلي المنفلت لم يعد كذلك. ومع تأكيد بعض المعلقين الإسرائيليين أن “تركيا هي إيران الجديدة” وتعهد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بمنع عودة الإمبراطورية العثمانية، أصبح التهديد شخصياً لأنقرة.

تحولات في العلاقات

ينبع قلق أنقرة أيضاً من تحوّل هيكلي، فخلافاً لتسعينيات القرن الماضي، لم تعد إسرائيل في حاجة إلى تركيا كما كانت. ففي تلك الحقبة، أقام البلدان شراكة استراتيجية ضد عدوين مشتركين، إيران وسوريا، تُوجت باتفاق التعاون العسكري التاريخي في 1996.

وحدثت إسرائيل سلاح الجو التركي، ونقلت تكنولوجيا صاروخية متقدمة، وتبادلت المعلومات الاستخباراتية، فيما منحتها تركيا شرعية نادرة في محيط مسلم معادٍ، وغطاءً من حلف ناتو، وجسراً إلى أوروبا. أما اليوم، فتراجعت حاجة إسرائيل إلى أنقرة بشكل كبير عسكرياً ودبلوماسياً، فقد استبدلتها بنيقوسيا، وأثينا، وأقامت علاقات عسكرية ودبلوماسية وثيقة مع قبرص، واليونان. وفي الاتحاد الأوروبي، أصبحت الدولتان بمثابة لوبي داعم لإسرائيل عند كل توتر، خاصة في الملف الفلسطيني. وعسكرياً، ملأت التدريبات البحرية والجوية المشتركة مع اليونان وقبرص، الفراغ الذي خلفه انهيار التعاون الدفاعي مع تركيا.

تداعيات دموية في السويداء

أكدت أحداث السويداء أسوأ مخاوف أنقرة. فقد بدأت بخطف بائع خضار درزي على يد عصابة بدوية، وسرعان ما تحولت إلى انفجار طائفي، بانتقامات، وإعدامات، وعنف جماعي، في منطقة لطالما أثقلتها الخصومات الدرزية البدوية. وأرسلت حكومة الشرع الانتقالية قواتها لاستعادة النظام، لكن تدخلها فشل تكتيكياً وسياسياً على حد سواء. ولم تنجح القوات الحكومية في احتواء القتال، وتعرضت لاتهامات بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين الدروز.

وسرعان ما استغلت إسرائيل الفوضى، تنفيذاً لتعهدها في فبراير (شباط) بالإبقاء على جنوب سوريا منزوع السلاح وحماية الدروز، فقصفت مقاتلاتها منشآت لوزارة الدفاع السورية في دمشق، ومنطقة قرب القصر الرئاسي. وخلال أيام، انسحبت القوات السورية من السويداء.

كانت التداعيات كارثية على دمشق، إذ كشفت الأحداث هشاشة حكومة الشرع الانتقالية، وقوة عزم إسرائيل على ضبط جنوب سوريا. أما في أنقرة، فقد أطاحت أزمة السويداء بخططها، إذ أن الجهود المدعومة تركياً لدمج القوات الكردية السورية في هياكل الدولة تواجه الآن مقاومة أشد. وفي أعقاب سفك الدماء، زادت الأقليات السورية بما فيها الأكراد، نفوراً من رؤية الشرع للحكم المركزي، وأصبحت أكثر تمسكاً بمطالب الحكم الذاتي.

نحو رؤية جديدة

لا حلول سريعة لمشاكل أنقرة المتفاقمة في سوريا، وإعادة فتح الدفاتر القديمة لن يجدي نفعاً. ما تحتاجه تركيا هو رؤية مختلفة تماماً، أي التمسك بفكرة الدولة المركزية على النمط التركي يتجاهل حقيقة أن هذا النموذج لن يحقق الاستقرار الذي تحتاجه أنقرة بشدة.

قد لا يكون البديل فيدرالية كاملة، لكن على الأقل على سوريا منح الأقليات بما فيها الأكراد حكماً ذاتياً حقيقياً في الشؤون المحلية وضمانات دستورية لحقوقهم. وليس هناك وقت أفضل لاستكشاف هذا المسار، إذ تجري أنقرة بالفعل محادثات مع حزب العمال الكردستاني في الداخل، ويطرح المسؤولون الأتراك فكرة دستور جديد، يمكن أن يعالج بعض المطالب الكردية داخل تركيا نفسها.

مشاركة المقال: