تضليل رقمي يغرق السوريين: تحديات وحلول لمواجهة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية


عنب بلدي – كريستينا الشماس: في عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات، أصبح الفضاء الرقمي المصدر الرئيسي للأخبار بالنسبة لمعظم السوريين. الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي تحولت إلى ساحة للتعبير والتفاعل ومتابعة الأحداث. ومع ذلك، يواجه هذا الحضور المكثف تحديات كبيرة، أبرزها انتشار المعلومات المضللة وخطابات الكراهية التي تهدد النسيج الاجتماعي. في ظل غياب سياسات رقمية فعالة لحماية الأفراد وضمان استخدام آمن للتكنولوجيا، تتفاقم المخاطر الرقمية وتهدد الأمن النفسي والاجتماعي وفرص بناء السلام في المجتمع السوري. وقد ناقشت عنب بلدي مع صحفيين وناشطين مجتمعيين سوريين تأثير المعلومات المضللة وخطابات الكراهية المنتشرة عبر الفضاء الرقمي على المجتمع السوري.
ترى نسيبة موسى، الصحفية وإحدى مستخدمات الفضاء الرقمي، أن مسؤوليتها كصحفية تفرض عليها التحقق من أي معلومة، سواء كانت صحيحة أو مضللة، من خلال البحث عن مصدرها وظروف نشرها والتأكد من خلفياتها قبل التعامل معها. وأوضحت أنها تتجنب إعادة نشر المعلومة المضللة، حتى بهدف التحذير منها، لكي لا تساهم في انتشارها، وتركز بدلًا من ذلك على نشر المعلومات الموثوقة والحقيقية. وفي مواجهة خطاب الكراهية، ترد نسيبة بخطاب بديل قائم على الإصغاء والدقة في اختيار الكلمات، مع التبليغ عن أي محتوى مسيء قد يهدد الأفراد أو المجتمع.
من جانبها، وصفت منال فتيح، إحدى مستخدمات مواقع التواصل الاجتماعي، مواجهة المعلومات المضللة وخطابات الكراهية بالمهمة الصعبة، نظرًا لانتشارها الواسع في الفضاء الرقمي. وأشارت إلى أنها تأثرت بشكل مباشر عندما أجبرتها شائعة خاطئة على ترك منزلها لعدة أيام. وأضافت: "رغم وعيي المعتاد بضرورة التحقق من أكثر من مصدر، وجدت نفسي هذه المرة ضحية للرعب، ما يثبت أن التأثير النفسي لهذه المعلومات هائل".
ويرى محمود الصمادي، الناشط المجتمعي، أن مواجهة المعلومات المضللة تبدأ بـ"الوعي النقدي"، من خلال تحليل المحتوى والتساؤل عن مصدره ودوافعه، خاصة أن خوارزميات المنصات الرقمية تضخم المحتوى المثير للانقسام. وأكد ضرورة التحقق من المصادر قبل إعادة النشر أو التفاعل، بالإضافة إلى ما يسميه "المواجهة الرمزية"، أي الرد على خطاب الكراهية بالفن والشعر وسرديات بديلة تعيد الاعتبار للضحايا وتظهر الوجه الإنساني، مقترحًا بناء مساحات رقمية آمنة للحوار والتفريغ العاطفي.
المعلومات المضللة تؤثر على المزاج الجماعي وتزرع القلق والخوف والانقسام، وبهذا الشكل أثرت على المجتمع السوري.
محمود الصمادي
ناشط مجتمعي
أكدت نسيبة موسى أن الشباب السوري الواعي مطالب برفض أي خطاب يدعو إلى التفرقة على أساس طائفي أو عرقي أو ديني أو جنسي، والعمل عبر مؤسسات المجتمع المدني للتوعية بمخاطر هذه الخطابات. كما يجب المطالبة بتفعيل قوانين الجريمة الإلكترونية، التي لا يزال الكثيرون يستهزئون بها، فغياب القوانين الصارمة قد يترك سوريا عرضة لمجازر وخسائر لا تقل خطورة عن السلاح، بحسب تعبيرها.
ويرى محمود الصمادي أن دور الشباب يتجاوز الرد، ليشمل إنتاج خطاب بديل عبر سرديات جديدة عن التنمية والتعدد والهوية السورية الجامعة. وأضاف أن على الشباب أن يكونوا فاعلين لا متلقين فقط، عبر التحرك الرقمي لنشر الوعي، وإعادة تعريف الوطنية بما يتجاوز الانتماءات الضيقة، لنتجه نحو بناء مفهوم الوطن كفضاء للعدالة والكرامة. وأكد أن المشاركة في الحوارات المجتمعية ضرورية، فالشباب ليسوا جمهورًا فقط، بل يمكن أن يكونوا صانعي سياسات وميسرين لحوارات عابرة للهويات والانتماءات.
تدريب حول المواطنة الرقمية ودورها في بناء السلام ضمن مشروع بصمة-تك – 10 أيلول 2025 (دارة سلام)
ترى الصحفية نسيبة موسى أن وجود قوانين قوية وصارمة تحد من انتشار المعلومات المضللة وخطاب الكراهية أمر ضروري. فغياب القوانين الرقمية سمح بتداول الأخبار المغلوطة خلال الأحداث الأخيرة في سوريا، ما أدى إلى ضياع البوصلة وخطر إعاقة الوصول إلى العدالة والسلام خلال المرحلة الانتقالية. وأضافت أن القانون يجب أن يكون رادعًا يفرض غرامات وعقوبات صارمة، ليشكل عبرة لمن يعتدي على دين أو طائفة أو عرق أو أي فئة في المجتمع.
وتتفق معها منال فتيح على أن القانون هو الرادع الأول والأخير، مشددة على ضرورة أن يتضمن عقوبات واضحة مثل الغرامات المالية والسجن. وترى منال أن التوعية المجتمعية، خصوصًا بين الشباب، يجب أن تترافق مع القوانين، عبر حملات تستهدف الفئات الأكثر تأثرًا بخطاب الكراهية، للوصول تدريجيًا إلى حلول جذرية.
بينما يتعامل محمود الصمادي، الناشط المجتمعي، مع فكرة القوانين بحذر، معتبرًا أنها "سلاح ذو حدين". واعتبر أن الحاجة إليها قائمة لحماية الفئات المستضعفة وضمان بيئة رقمية آمنة، خاصة أن المعلومات المضللة تزرع الخوف وتفكك الثقة المجتمعية. واقترح محمود بدائل موازية، مثل محو "الأمية الإعلامية"، لتمكين الأفراد من التمييز بين الحقيقة والتضليل، والمساءلة المجتمعية التي تتحقق بوجود آليات مجتمعية لرصد خطاب الكراهية والتعامل معه.
برزت مبادرة “دارة سلام”، وهي مبادرة سورية محلية، تهدف إلى دمج التكنولوجيا بعملية بناء السلام، وتركز على سرديات العدالة، وتستهدف النساء والشباب في أنشطتها. وفي هذا السياق، أطلقت المبادرة مشروع “بصمة-تك”، الذي ينطلق من مفهوم “المواطنة الرقمية” ودورها في بناء السلام.
تحدث مصطفى كليب، عضو في مبادرة “دارة سلام”، لعنب بلدي، أن الهدف الأساسي من المشروع هو تمكين المستخدمين وخاصة الشباب من أن يكونوا مواطنين فاعلين وإيجابيين في العالم الرقمي، بطريقة لا يكون المستخدم مجرد متلقٍ للمحتوى، بل صاحب بصمة إيجابية تسهم في خلق بيئة رقمية أكثر أمانًا واحترامًا وتسامحًا.
قال كليب، إن المجتمع الرقمي في سوريا يواجه عدة تحديات منها:
اقترح مصطفى كليب، عضو مبادرة “دارة سلام”، حلولًا لمواجهة التحديات الرقمية عبر التوعية والتمكين من خلال المشاريع المحلية، مثل “بصمة-تك” لرفع مستوى الثقافة والمواطنة الرقمية، وهي:
منوعات
⚠️محذوفاقتصاد وأعمال
سياسة دولي
علوم وتكنلوجيا