الجمعة, 19 سبتمبر 2025 04:43 AM

بحرة الشعيبة: ميناء مكة التاريخي ينبض بالحياة من جديد ويستقطب السياح

بحرة الشعيبة: ميناء مكة التاريخي ينبض بالحياة من جديد ويستقطب السياح

على الساحل الغربي لمكة المكرمة، يتربع ميناء الشعيبة، المعروف اليوم بـ "بحرة الشعيبة"، كشاهد حي على حقبة تاريخية مزدهرة. لقد كان هذا الميناء البوابة البحرية الأولى التي خدمت سكان مكة والمدن المجاورة لقرون طويلة، وشهد أحداثًا محورية في التاريخ الإسلامي. فمن هنا انطلقت أولى هجرات الصحابة إلى الحبشة، وظل الميناء يؤدي دوره الحيوي حتى عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، قبل أن تنتقل الأهمية تدريجيًا إلى ميناء جدة.

وعلى الرغم من توقف النشاط التجاري في الميناء مع مرور الوقت، وتحوله إلى وجهة مفضلة للصيادين وهواة الصيد، إلا أن الجهود الحديثة لإحياء تراثه التاريخي أعادت إليه الأضواء، وذلك ضمن مشاريع تطوير الساحل وتأهيل الشواطئ. واليوم، يشكل الميناء جزءًا من منطقة "بحر مكة"، وهي وجهة سياحية وتاريخية متكاملة.

لم يكن ميناء الشعيبة مجرد شاطئ عادي، بل كان محطة حيوية للتجارة والحج. فقد كانت البضائع تصل إليه من اليمن والهند والحبشة، وتُصدّر منه التمور والأقمشة والمنتجات العربية، مما جعله من أكثر الموانئ نشاطًا في تلك الحقبة. ومن هذا الميناء انطلق الصحابة الأوائل في هجرتهم إلى الحبشة بأمر من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حفاظًا على دينهم من بطش قريش. وكانت أول رحلة في السنة الخامسة للبعثة، تبعتها رحلة أخرى ضمت أكثر من ثمانين صحابيًا.

ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وازدياد الحاجة إلى ميناء أعمق وأكثر أمانًا، اتخذ الخليفة عثمان بن عفان قرارًا استراتيجيًا بتحويل المرفأ الرئيسي إلى جدة، وهو ما شكل منعطفًا هامًا في تاريخ الموانئ السعودية.

من أبرز معالم بحرة الشعيبة اليوم السفينة الغارقة بالقرب من الشاطئ، والتي جُلبت قبل أكثر من ثلاثين عامًا لتفكيكها، إلا أنها انجرفت بفعل الأمواج واستقرت بين الشاطئ والمياه. ومع مرور الزمن، تحولت السفينة إلى موطن للشعاب المرجانية وآلاف الكائنات البحرية، وأطلق عليها سكان مكة لقب "تايتانك السعودية"، لتصبح معلمًا يجذب الغواصين والزوار على حد سواء.

تبذل أمانة العاصمة المقدسة جهودًا كبيرة لإعادة الحياة إلى بحرة الشعيبة من خلال تهيئة الشواطئ، وتعبيد الطرق، وتجميل المرافق العامة، وإطلاق حملات نظافة واسعة النطاق أسهمت في إزالة عشرات الآلاف من الأطنان من النفايات. ومن المتوقع أيضًا أن تشهد المنطقة مشاريع سياحية جديدة تعزز من قيمتها التاريخية والثقافية.

ويؤكد الباحث خالد أبو الجدائل على أهمية الشعيبة في التجارة المكية، حيث كانت بمثابة البوابة الأولى لمكة على أفريقيا واليمن والهند، قبل انتقال النشاط البحري إلى جدة، مما ساهم في ظهور أحد أقدم الموانئ في العالم.

تمثل زيارة بحرة الشعيبة اليوم رحلة عبر الزمن. ففي هذا المكان، يمكن للزائر استكشاف بقايا ميناء شهد بدايات الدعوة الإسلامية، والغوص حول السفينة الغارقة لاستكشاف الحياة البحرية المتنوعة، والاستمتاع بالهدوء على شاطئ طبيعي بكر.

إنها وجهة تجمع بين التاريخ والمغامرة والاسترخاء، لتصبح خيارًا مثاليًا لعشاق السياحة الثقافية والبحرية، وتعيد إلى الأذهان قيمة ميناء كان يومًا ما نافذة مكة على العالم.

مشاركة المقال: