الإثنين, 22 سبتمبر 2025 08:11 PM

تزايد الإقبال على العملات المشفرة في سوريا رغم المخاطر: تقرير يكشف التفاصيل

تزايد الإقبال على العملات المشفرة في سوريا رغم المخاطر: تقرير يكشف التفاصيل

لم يعد مصطفى، الشاب السوري، يعرف نفسه كطالب جامعي فحسب، بل بدأ يعتبر نفسه مستثمراً في العملات المشفرة منذ شهور، وهو ما يراه فيه الكثيرون. لكنه طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل خوفاً من الوضع القانوني الغامض لهذا النوع من الأعمال في سوريا. ويقول: "كان علينا استخدام الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN) وأرقام وهمية لإتمام العمليات. لكن الآن أصبح بالإمكان التداول عبر الوسطاء الموثوقين داخل سوريا، لكننا دائماً حذرين من المنصات غير القانونية والنصب والخسائر المفاجئة".

وفقاً لتقارير محلية وتأكيدات من متداولين، فإن آلاف السوريين يتعاملون حالياً بالعملات المشفرة للتحوط ضد تدهور قيمة الليرة وشح السيولة. وتشير المعلومات إلى أن التداول يتم عبر مجموعات "P2P" على تطبيق "تليغرام"، ووكلاء تداول محليين بالهامش في مدن مثل دمشق وحلب وإدلب واللاذقية، مع استخدام منصات عالمية مثل "بينانس" عبر شبكات "VPN"، وأيضاً من خلال أصدقاء أو أقارب في الخارج يرسلون العملات.

تتضمن خطوات التداول الشائعة تحميل محفظة إلكترونية ثم شراء العملات. لا توجد إحصائيات رسمية حول حجم سوق العملات المشفرة في سوريا، لكن المعطيات تشير إلى نشاط في المراكز الحضرية الكبرى. وتتركز عمليات التداول غير المرخص غالباً في دمشق وحلب وإدلب واللاذقية، بما يتوافق مع وجود وسطاء محليين ومكاتب صرافة تتعامل بهذا الشأن.

مع استمرار الأزمة المالية وتخبط قيمة الليرة السورية، يعتبر كثيرون أن العملات المشفرة تمثل وسيلة لتخزين الثروات وتحويلات المغتربين. يوضح عدنان إسماعيل، الخبير الاقتصادي وأستاذ كلية الاقتصاد في جامعة اللاذقية، لـ"الشرق" أن أبرز العملات التي تجذب المتداولين المحليين في سوريا هي عملة "تيثر" (USDT) على شبكة "ترون" (Tron) نظراً للاستقرار والسرعة، وأيضاً "بتكوين" كتحوط طويل الأمد، ورمز "TRX" للتحويلات منخفضة الكلفة.

رغم هذا الانتشار الواسع للاستثمار في العملات المشفرة إلا أنه يظل من الناحية الرسمية نشاطاً غير مشروع، ما يزيد من المخاطر التي يتعرض لها المتداولون. أصدر مصرف سورية المركزي في 19 أغسطس الماضي بياناً تحذيرياً شدد فيه على أن العملات المشفرة "غير قانونية وغير معتمدة" داخل البلاد، وأكد أن نشاطات تداول الكريبتو تُمارس عبر الإنترنت دون أي إشراف أو ترخيص رسمي، داعياً المواطنين إلى توخي الحذر وحماية أموالهم.

مع ذلك، من غير المستبعد تغير القانون في وقت غير بعيد، حيث برزت مقترحات لإيجاد إطار قانوني مستقبلي، منها خطة نشرها المركز السوري لأبحاث السياسات في أوائل 2025، لتقنين تداول بتكوين والعملات المشفرة، وإصدار ليرة رقمية مدعومة بالذهب والدولار وبتكوين، بالاستفادة من موارد الطاقة غير المستغلة للتعدين مع التركيز على الاستدامة ومنع الاحتكار.

في يونيو 2025، أعلنت منصة "بينانس" أنه بعد رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، يمكن للسوريين الولوج إلى خدماتها الكاملة، بما في ذلك تداول أكثر من 300 عملة ورمز رقمي، والتداول الفوري والفوري المعقد، وخدمات التحويل عبر "بينانس باي" (Binance Pay). وعقب هذا الإعلان من جانب هذه المنصة، لم يصدر عن مصرف سورية المركزي تعليق رسمي، لكن التحذيرات السابقة تجعل أي تعامل عن طريق هذه المنصة على مسؤولية المستخدم.

فراس عيسى، مدير تقنية المعلومات في المصرف المركزي، أكد لـ"الشرق" أن موضوع العملات المشفرة "مؤجل وليس ملغياً حالياً"، مشيراً إلى أن هناك أولويات أخرى مثل طباعة العملة الوطنية الجديدة ومشروع الدفع الإلكتروني. وصرح عيسى أن سوريا لن تقبل التداول الرقمي حالياً بسبب مخاطر غسل الأموال والاحتيال، مؤكداً أن التحذيرات تهدف لحماية المواطنين، لكنه أشار إلى أن الدراسات الجارية قد تؤدي إلى نتائج إيجابية مستقبلية.

المنع الرسمي من التداول لم يمنع ممارسات شبه علنية، حيث قال قتيبة عكام، الممارس للتداول الرقمي: "بدأت التدريب في سوريا في الشهر الأول من 2025، لأن المجال كان ممنوعاً قبل سقوط النظام. هدفنا كان تطوير الشباب وتعليمهم كيفية استثمار أموالهم بشكل صحيح في التداول. اليوم لدينا خيارات واسعة للاستفادة من فروقات الأسعار العالمية بسرعة، مقارنة بالطريقة التقليدية القديمة. ففي الأسواق التقليدية، شراء الذهب يخضع لصياغة التاجر وتحديد السعر، بينما في التداول الرقمي تشتري الأونصة أو العملة كما هي، دون أي عمولة إضافية، وهذا يوفر سهولة كبيرة وأماناً للمستثمر".

ويرى عكام أنه بفضل الهواتف الذكية والتطبيقات الرقمية، يمكن لأي شخص شراء العملات الأساسية مثل "تيثر" أو "بتكوين"، وتحويلها عبر الوسطاء المحليين أو منصات عالمية مثل "بينانس" و"باي بت" (Bybit)، مشيراً إلى أن المحفظة الرقمية تمنح الأمان، إذ تظل أموال المستثمر تحت رقابته المباشرة في الهاتف، وليس في أي مكان آخر. وأوضح: "مع وجود منصات مرخصة عالمياً، يستطيع المستثمر السوري الاطمئنان على أمواله وضمان الأمان المالي، كما هو معمول به في الإمارات وبريطانيا وألمانيا".

مصطفى، المستثمر الناشئ في العملات المشفرة، يروي تجربته الأولى في هذا العالم، فيقول: "بدأت التجربة عبر مواقع عالمية مثل مايكي، حيث نكسب مبالغ صغيرة مقابل الإجابة على استبيانات، ثم نستخدم هذه الأرباح لشراء بطاقات رقمية مثل "USDT" أو بطاقات "أمازون". لاحقاً، تطورت التجربة إلى الألعاب الرقمية التي تمنحك رصيداً يمكن تحويله إلى عملات مشفرة، ومن ثم إلى التداول على المنصات العالمية". ويضيف الشاب أن هذه الطريقة ساعدته في التعرف على عالم التداول الرقمي، "لذلك كانت الألعاب والتوقعات الرياضية أشبه بمختبر للتجربة، نتعلم خلالها المخاطر ونفهم حركة السوق".

تبقى سوق العملات المشفرة في سوريا محفوفة بالمخاطر، وسط غياب إطار قانوني واضح، وتقلبات الأسعار، وعمليات الاحتيال، إلى جانب مخاطر اختراق المحافظ الرقمية. يحذر إسماعيل، أستاذ الاقتصاد بجامعة اللاذقية، من أن التداول بهذه الظروف يُعدُّ "مضاربة محفوفة بمخاطر مرتفعة جداً"، في ظل غياب أي قوانين تحمي المتعاملين، مشيراً إلى أن هناك غرفاً أو مكاتب في الأسواق الرئيسية (دمشق، حلب، اللاذقية وغيرها) تعرف باسم "كوي" أو صالات تداول مؤقتة، تقوم بصرف أجزاء من قيمة "بتكوين" بالليرة السورية مقابل عمولات.

وبينما يَعتبر أن هذه الظاهرة تتوسع بين فئة الشباب الذين يطمحون لتحقيق أرباح كبيرة في ظل تسويق غير قانوني يخفي الخسائر وراء إغراء الأرباح الجذابة. يشير إلى أن غياب "تقنين" التداول وعدم وجود منهجية واضحة يفتح المجال أمام استغلال الأنشطة غير المشروعة ويجعل استرداد الأموال في حال الخسارة شبه مستحيل. ونبه أيضاً إلى تزايد عمليات النصب والاحتيال عبر منصات غير موثوقة، وهجمات القرصنة على المحافظ الرقمية؛ "بما يفرض على المصرف المركزي ضرورة التحرك لإنشاء بيئة ناظمة، وعدم الاكتفاء بالتحذيرات التي لن توقف حركة التداول أو تحد منها". (asharqbusiness)

مشاركة المقال: