الأربعاء, 24 سبتمبر 2025 05:23 PM

اعترافات مشروطة بدولة فلسطينية: هل تتجاوز إسرائيل "سحابة الصيف"؟

اعترافات مشروطة بدولة فلسطينية: هل تتجاوز إسرائيل "سحابة الصيف"؟

يرى يحيى دبوق أن اعتراف مجموعة من الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وبلجيكا ولوكسمبورغ، بدولة فلسطينية اعترافاً رسميّاً ولكن مشروطاً، لن يغير من الواقع شيئاً. فالإعلان، على الرغم من رمزيته، لا يتبعه عقوبات اقتصادية على الكيان الإسرائيلي، ولا حظر أسلحة، ولا تجميد للتعاون الأمني، ولا محاكمات جنائية معلنة، ولا حتى تهديدات ملموسة بعقوبات مستقبلية.

إلى الآن، لا يشكل ما حدث ضغطاً حقيقياً على إسرائيل، بل هو إعلان سياسي فارغ من المضمون العملي، يمكن أن يُستخدم كأداة تبريرية داخلية لتخفيف الشعور بالذنب تجاه المشاركة الغربية المباشرة في التدمير المنهجي لحياة الفلسطينيين.

إسرائيل تدرك تماماً أن الدول المعترِفة لن توقف توريد الأسلحة إليها، ولن تطالبها بوقف الاستيطان، ولن تفرض أي عقوبات على أي من مؤسساتها، مهما بلغ حجم الانتهاكات. بالتالي، لا تعتبر الاعترافات رداً على انتهاكات حقوق الإنسان، ولا محاولة لمنع الإبادة، ولا دعماً لحق تقرير المصير، بل ردود فعل متأخرة تستخدم لتبرير موقف الغرب وتواطئه.

لا تخشى إسرائيل هذه الخطوات، لأن معظمها لم يصدر عن دول جديدة، بل عن دول كانت اعترفت بفلسطين عام 1988 ثم انسحبت لاحقاً بلا تبعات. فبلجيكا وأندورا، على سبيل المثال، ربطتا تنفيذه بشروط لا يمكن تحقيقها إلا بعد اكتمال التدمير المنهجي لقطاع غزة: إطلاق سراح الرهائن، وتفكيك حركة «حماس». هذا لا يعد ضغطاً، بل تأجيلاً أو تجميداً مقنعاً لخطوة الاعتراف نفسها.

فرنسا، التي تقود الموجة، تعلق اعترافها الفعلي بشرط مماثل: إطلاق سراح الرهائن قبل فتح سفارتها في الأراضي الفلسطينية. في كلتا الحالتين، الشروط لا توجه إلى إسرائيل، بل إلى الفلسطينيين، في وقت يُقتل فيه المئات منهم يومياً، وتُدمر فيه مؤسساتهم، وتُمنع أي مبادرة سياسية تجاههم.

الاعترافات، في سياقها المتقدم، ليست أداة تغيير، بل أداة تجميل. وإسرائيل، إدراكاً منها لذلك، لا تغير من سياساتها شيئاً، ولا تعيد تقييم استراتيجياتها، بل تواصل حربها بلا هوادة. وفي الداخل، تصر الحكومة الإسرائيلية على تكرار ما تقول إنه «مكافأة للإرهاب»، كرد فعل على أي تصريح أو موقف غربي مهما كان رمزياً أو محدوداً.

هذا الخطاب تحول إلى إعلان عن رؤية شاملة، أوضحها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بقوله: «لدي رسالة واضحة إلى القادة الذين يعترفون بدولة فلسطينية بعد المذبحة المروعة في السابع من أكتوبر (2023)، أنتم تمنحون جائزة ضخمة للإرهاب»، مضيفاً: «لن تُقام دولة فلسطينية غرب الأردن. وعلى مدى سنوات، منعت قيام هذه الدولة الإرهابية (ووقفت) أمام ضغوط هائلة من الداخل والخارج. ضاعفنا الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وسنواصل بهذه الطريقة».

قد تكون للمؤسستَين الأمنية والدبلوماسية رؤية مختلفة، ترى تهديداً حقيقياً في تآكل الحواجز الدبلوماسية التي كانت تحمي إسرائيل من تبعات «إزعاجية» وملاحقات و«تشويه صورة»، وتجاوز خطوط حمر كانت تعتبر مقدسة، مثل إدانة تل أبيب أو التصريح ضدها، وتجنب الحديث عن «الاحتلال». لكن هاتين المؤسستَين لا تمتلكان بديلاً ولا خطة سياسية مغايرة، بل تكتفيان بإصدار تحذيرات لا تغير شيئاً.

الرأي العام الإسرائيلي لا يمكن تقدير توجهه بمعزل عن وسائل الإعلام العبرية، التي باتت هي المُصَنِّع شبه الأوحد له، والتي تتعامل مع الاعترافات بأسلوب متمايز: تجنب التحليل الاستراتيجي، والامتناع عن استقراء التبعات على الأمن أو الاقتصاد أو الدبلوماسية، وتحويل التغطية إلى نقل إخباري جاف كأن الحدث لا يستحق تفسيراً وتحليلاً. المحللون ينقسمون بين مدافع عن الحكومة بحماسة يرى في الاعتراف مؤامرة، ومنتقد لها يتجنب أي تأييد للخطوة الغربية خشية أن يصنف كمن يصطف إلى جانب الفلسطينيين.

في ذلك الانقسام، انعكاس لإجماع سياسي شبه كامل، عنوانه رفض وجود دولة فلسطينية، ورفض الاعتراف بالفلسطينيين كشعب له حق تقرير المصير. هذا الإجماع يشمل النخبة، والأحزاب، والإعلام، والمجتمع من أقصى اليمين إلى ما يسمى بـ«اليسار الصهيوني».

رسمياً، لا توجد استراتيجية إسرائيلية فعالة، بل ثلاثة ردود فعل تكتيكية، لا تهدف إلى تغيير السياسة، بل إلى إعطاء انطباعات:

  1. الاستمرار في الخطاب الرمزي: «هذه مكافأة للإرهاب»، و«جائزة لحركة حماس».
  2. الاعتماد على واشنطن: على الرغم من أن دعمها لم يعد مطلقاً، وأنها لا تحارب الاعترافات الغربية بفلسطين بشراسة، إلا أن ذلك لا يغير الواقع.
  3. التهديد بالانسحاب من المنظمات الدولية أو قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تعترف بفلسطين، لكن حتى هذه الإجراءات العقابية لا تغير من السياقات شيئاً، وإن كانت تسمح للقيادة الإسرائيلية بالقول إنها «فعلت ما عليها».

في المحصلة، تدرك إسرائيل أن ما يجري لن يغير شيئاً، ورد فعلها مبني على هذا الأساس. فالاعتراف بدولة فلسطينية، بلا جهد فعلي من أي طرف لإنشائها، لا يشكل تهديداً، بل تذكيراً بأن الدول الغربية، من دون الولايات المتحدة، لم تعد قادرة وربما لا تريد، فعل أي شيء للجم إسرائيل. لكن الغرب يذكر الجميع ونفسه في المقدمة، أنه لا يزال قادراً على التظاهر بأنه يفعل شيئاً.

مشاركة المقال: