الجمعة, 26 سبتمبر 2025 01:14 AM

سوريا: من ترميم المدارس إلى تطبيق القانون.. ملامح تحولات في علاقة الدولة بالمواطن

سوريا: من ترميم المدارس إلى تطبيق القانون.. ملامح تحولات في علاقة الدولة بالمواطن

يشير الكاتب أحمد عسيلي إلى حادثتين وقعتا في سوريا، تفصل بينهما المسافة والزمان، لكنهما تكشفان عن مسار جديد يتشكل بعد سنوات من الصراع. الحادثة الأولى هي إعادة افتتاح ثانوية دوما للبنين بعد ترميمها، حيث ظهرت المدرسة بحلة جديدة مغايرة لما اعتاده السوريون من مدارس قديمة تشبه السجون، وتفتقر إلى النظافة. المقاطع المصورة للمدرسة أظهرت صفوفًا حديثة ومرافق نظيفة.

أما الحادثة الثانية، فتمثلت في مشادة كلامية بين شرطي مرور وفتاة، تطورت إلى شتائم طائفية. اللافت أن هذه الشتائم أثارت استياء الكثيرين، وكشفت عن بشاعة الطائفية.

يرى الكاتب أن هاتين الحادثتين، ترميم مؤسسة تعليمية وتطبيق القانون في الشارع، تعكسان ملامح علاقة جديدة بين المجتمع والسلطة. فالمدرسة في عهد عائلة الأسد كانت أداة لتدجين الأجيال، لا للتعليم والتثقيف. كان يُطلب من الطلاب الالتزام بالكتاب المدرسي وكتابة ما فيه حتى لو كان خاطئًا، وكانت “بدلات الفتوة” تحولهم إلى جنود صغار.

بعد العام 2005، تحسن الوضع قليلًا، لكن جوهر العملية التعليمية لم يتغير. لذا، يرى الكاتب أهمية ترميم مدرسة دوما، كخطوة أولى نحو تغيير أعمق يشمل أسلوب التعليم والمناهج والعلاقة بين المعلم والطالب. فالديمقراطية تبدأ من الصف الدراسي.

يستحضر الكاتب أفكار عالم الاجتماع نوربرت إلياس حول أهمية التفاصيل اليومية في التغيير الاجتماعي، مثل النظافة وشكل المباني. فالمدرسة الجديدة بحماماتها النظيفة ليست مجرد ترميم، بل مؤشر إلى تحول أعمق في العلاقة بين الفرد والدولة.

أما العلاقة مع ممثلي الدولة، كالشرطة، فكانت تقوم على الرشوة والواسطة. لكن حادثة الفتاة والشرطي أعادت الأمور إلى نصابها، حيث جرى استدعاء جميع الأطراف وتحويل الملف إلى المحكمة، مما يدل على أن الدولة موجودة وأن القانون يسري على الجميع.

الأهم هو توثيق ما جرى، ليصبح جزءًا من عملية تربية مدنية لتغيير العقلية التي سادت في عهد الأسد. فالسلطة لا تُختصر في فرد أو شبكة واسطات، بل تتجسد في مؤسسة قضائية. هذا لا يعني أن كل شيء مثالي، لكنه إشارة إلى وجود نية لتصحيح العلاقة بين المواطن والشرطي على قاعدة القانون.

الحدثان يكشفان مسارين متوازيين: مدرسة تعيد الاعتبار للحجر، وقضية شرطي ومواطنة تعيد الاعتبار للبشر. فالدولة لم تعد مجرد جدران قبيحة أو شرطي متسلط، بل صورة تتشكل ببطء.

ويرى الكاتب أن السلطة اليوم لا تزال في طور النمو، ومسؤوليتنا أن نرعاها ونحدد مسارها. فالرقابة الاجتماعية قادرة على التأثير، وقد غيرت الكثير من عادات بعض أجهزة الدولة. هذه المهمة واجب جماعي للتخلص من إرث نصف قرن، من إعادة بناء المدارس إلى تحديث أساليب التدريس والضغط على مؤسسات الدولة لاحترام القانون. إنها عملية شاقة، لكنها ضرورية للتقدم.

مشاركة المقال: