الإثنين, 29 سبتمبر 2025 02:27 AM

من القلمون إلى مائدة الطعام: مشروع رائد لتربية النعام يزدهر في سوريا

من القلمون إلى مائدة الطعام: مشروع رائد لتربية النعام يزدهر في سوريا

في مدينة النبك بمنطقة القلمون، حيث اعتاد السكان على تربية الأبقار والأغنام والدواجن، اختار المهندس محمد غالب الحميدي (أبو رياض) مسارًا فريدًا من نوعه. لم تنطلق فكرته من فراغ، بل استوحاها من مشاهدة النعام أسود الرقبة، المستورد من أفريقيا، وهو يتكيف مع مناخ ألمانيا وأوكرانيا البارد، مما أثار تساؤله: لماذا لا نربي النعام في سوريا؟ بعد عام كامل قضاه في البحث وجمع المعلومات ودراسة الجدوى الاقتصادية، توصل إلى أن تربية النعام قد تكون من أنجح المشاريع في قطاع الإنتاج الحيواني، نظرًا لهامش الربح الذي يتجاوز أربعة أضعاف أي مشروع مماثل، وذلك بفضل المناعة الطبيعية العالية للطائر وغزارة إنتاجه.

مشروع بمتطلبات بسيطة وأرباح واعدة

يؤكد الحميدي أن متطلبات تربية النعام محدودة مقارنة بعوائدها الكبيرة، إذ لا يتطلب العمل اليومي أكثر من ساعة موزعة بين الصباح والمساء. كما يمكن تخفيض استهلاك العلف بنسبة 60% عند توافر الأعلاف الخضراء. تتكون "الأسرة" المنتجة من ذكر وأنثيين، ويبلغ سعرها حوالي 6000 دولار (وهي غير متوفرة حاليًا في المزرعة). يمكن للأسرة الواحدة أن تنتج ما بين 40 و80 صوصًا سنويًا، ويصل سعر الصوص الواحد إلى 150 دولارًا في حال توافره. أما من حيث إنتاج اللحوم، فيتميز النعام بنسب تصافٍ عالية تصل إلى 35% من اللحم الأحمر الصافي (الهبرة) الخالي من العظم، ويتراوح وزنه عند الذبح، في عمر 10-18 شهرًا، بين 85 و145 كيلوغرامًا.

بداية التجربة

بدأت المزرعة في نيسان 2017 بكمية محدودة من البيض وعدد قليل من الأفراخ. لكن البداية لم تكن سهلة؛ ففي عام 2019 بدأت الطيور بوضع بيض غير مخصب، ثم جاء عام 2020 ليشهد أول إنتاج فعلي بعد بلوغ الذكور. وذكر الحميدي لسوريا 24 أن التجربة واجهت صعوبات عديدة، من أبرزها الحاجة إلى عزل الطيور على شكل أسر (ذكر لكل أنثيين)، والحفاظ على نظافة الملاعب، وضبط الخلطات العلفية الخاصة بالإنتاج، بالإضافة إلى توفير ظروف دقيقة للتفريخ والتدفئة. ومع المثابرة والخبرة الميدانية التي امتدت لأكثر من 8 سنوات، تحولت العقبات إلى خبرة عملية ساهمت في نجاح المشروع.

منتجات متعددة.. من اللحم إلى الريش

النعام ليس مجرد مصدر للحوم، بل هو "ثروة إنتاجية شاملة"، على حد تعبير الحميدي: لحم النعام، المعروف عالميًا بـ"لحم الملوك"، يتميز بلونه الأحمر وقيمته الغذائية العالية، واحتوائه على نسبة مرتفعة من البروتينات وأوميغا-3 والحديد، مقابل انخفاض نسبة الدهون والكوليسترول. أما ريش النعام، فهو مطلوب في صناعات الموضة والديكور وأعمال التنظيف الدقيقة للأجهزة الإلكترونية. وجلد النعام يعتبر من أفخر أنواع الجلود عالميًا، ويستخدم في صناعة الحقائب والأحذية الفاخرة، على الرغم من التحديات المرتبطة بغياب خبرات الدباغة والصباغة في سوريا. بيضة النعام الواحدة تكفي لإطعام 12 شخصًا، وتستخدم في صناعة الحلويات والمعجنات، كما تستغل قشرتها في أعمال النحت والزخرفة. وتستخدم دهون النعام في الصناعات الطبية والتجميلية لعلاج المفاصل وتجديد البشرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام البيض الفارغ في الزخرفة، أو حتى إدخال النعام في سباقات استعراضية في بعض الدول.

تجربة سورية تتوسع

لم تقتصر التجربة على منطقة القلمون، بل انتشرت مزارع صغيرة في ريف دمشق، درعا، السويداء، حمص، حماة، طرطوس، واللاذقية، بالإضافة إلى الرقة ودير الزور. ومع الإقبال المتزايد على تربية النعام، يرى الحميدي أن السنوات العشر المقبلة قد تشهد منافسة حقيقية بين لحم النعام وبقية اللحوم الحمراء، مع إمكانية ظهور مسالخ ومحال متخصصة لبيعه.

بين الحلم والواقع

يختتم الحميدي حديثه بالقول: "تربية النعام في سوريا بدأت كفكرة غريبة، ثم تحولت إلى مشروع استثماري واقعي. ورغم التحديات، أثبتت التجربة أن هذا الطائر قادر على أن يكون أحد أعمدة الإنتاج الحيواني في البلاد، لما يقدمه من تنوع في المنتجات وجدوى اقتصادية عالية".

مشاركة المقال: