الثلاثاء, 30 سبتمبر 2025 07:56 PM

ضريبة القيمة المضافة في سوريا: هل ينجح المشروع في ظل اقتصاد الظل؟

ضريبة القيمة المضافة في سوريا: هل ينجح المشروع في ظل اقتصاد الظل؟

شبكة أخبار سوريا والعالم- خاص: مع تصاعد الحديث عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة في سوريا، قدم وزير المالية يسر برنية مشروع قانون جديد وصفه بأنه "تحول جوهري"، داعياً إلى نقاش مجتمعي سريع قبل تطبيقه. وقد أثار هذا المشروع جدلاً واسعاً في المشهد الاقتصادي، بين مؤيدين يرونه خطوة إصلاحية طال انتظارها، ومعارضين يعتبرونه قفزة في فراغ مؤسساتي.

أبرز الانتقادات التي وجهها اقتصاديون لمشروع القانون تتمثل في أن وزارة المالية بدأت بتطبيق القانون قبل تهيئة البنية التحتية اللازمة. فالضريبة ليست مجرد نسبة تُفرض على السلع، بل هي منظومة متكاملة تتطلب بنية تحتية متقدمة، ونظاماً ضريبياً شفافاً، وثقافة مالية لدى المواطنين.

الاقتصادي تمام ديبو أوضح في تصريح لأخبار سوريا والعالم أن التحدي الأكبر الذي يواجه مشروع ضريبة القيمة المضافة هو وجود اقتصاد سوري غير منظم، أو ما يعرف بـ "اقتصاد الظل"، والذي يقدر حجمه بنحو 70% من النشاط الاقتصادي في البلاد. هذا الواقع يجعل تطبيق الضريبة صعباً للغاية، حيث تجري معظم المعاملات التجارية خارج نطاق الرقابة الرسمية، مما يهدد بانهيار التحصيل الضريبي ويفرغ القانون من مضمونه.

ويرى خبراء أن فرض ضريبة بنسبة 5%، كما اقترح الوزير، قد يؤدي إلى تراجع في الإيرادات الضريبية بنسبة تصل إلى 50% بسبب اقتصاد الظل. هذا التراجع قد يدفع الحكومة إلى رفع النسبة أو تقليص الإعفاءات، وهو ما سينعكس مباشرة على المستهلك النهائي بارتفاع أسعار السلع والخدمات.

على الرغم من أن الوزير برنية فتح باب النقاش المجتمعي حول القانون، إلا أن المهلة المحددة حتى 15 تشرين الأول/أكتوبر قصيرة جداً، بحسب الاقتصادي ديبو، ولا تكفي لدراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي للقانون، ولا تسمح بصياغة تعديلات جوهرية تضمن نجاحه. ويؤكد ديبو أن النقاش الحقيقي يحتاج إلى وقت وورش عمل ومشاركة واسعة من المختصين والجهات المعنية.

ويضيف ديبو أن ضريبة القيمة المضافة تتطلب شروطاً دقيقة، أبرزها نظام فوترة إلكتروني فعال لضبط التهرب الضريبي، وأتمتة شاملة للعمليات المالية، ومكافحة الفساد في الجباية، وتوازن بين الدخل والأسعار، واستقرار سعر الصرف، ووجود ثقافة ضريبية ومصرفية لدى المواطنين، ومصارف قادرة على إدارة التدفقات المالية. ويرى الخبراء أن هذه العناصر إما غائبة أو ضعيفة في سوريا، مما يجعل تطبيق القانون في الوقت الراهن أقرب إلى المغامرة غير المحسوبة.

محاولة وزير المالية تسويق المشروع عبر إبراز أن نسبة الضريبة المقترحة (5%) تُعد الأدنى في المنطقة مقارنة بدول مثل المغرب (20%) والسعودية (15%)، اعتبرها اقتصاديون غير واقعية نظراً لاختلاف الظروف الاقتصادية والبنية المؤسسية بين سوريا وتلك الدول. فالنجاح في تلك الدول يعود إلى امتلاكها أنظمة مالية متطورة وإدارة ضريبية فعالة ومجتمعاً ضريبياً منظماً.

ولم يفلح حديث الوزير برنية عن إعفاءات تشمل المواد الغذائية والأدوية والخدمات الأساسية في طمأنة المواطنين والاقتصاديين، حيث رأوا أن هذه الإغراءات غير كافية وأنها لن تحمي المستهلك من الأثر التضخمي المتوقع، خاصة في ظل غياب الرقابة على الأسعار وغياب آليات لضبط السوق.

وفي المحصلة، يرى خبراء أن الأولوية يجب أن تكون لتأهيل البنية التحتية عبر تطوير نظام الفوترة، وتعزيز الأتمتة، وتثقيف المواطنين حول الثقافة الضريبية. فبدون هذه الأسس، سيبقى مشروع ضريبة القيمة المضافة مجرد فكرة طموحة تصطدم بجدار الواقع السوري المعقد. مع الإشارة إلى أن إعادة طرح القانون اليوم لا تختلف كثيراً عن محاولة وزير المالية الأسبق محمد الحسين قبل 17 عاماً، حين تراجع عن تطبيقه بعد أن أدرك أن المستهلك سيكون الضحية وأن البنية التحتية غير جاهزة. فهل يعيد التاريخ نفسه؟ أم أن هذه المرة ستكون مختلفة؟ الجواب لا يزال معلقاً بين الطموح والواقع.

مشاركة المقال: