تاريخيًا، كانت سوريا من بين الدول الرائدة في إنتاج الأعمال الدرامية في العالم العربي. وعلى مدى عقود، لعبت دورًا حيويًا في صناعة الفن والإنتاج التلفزيوني، وذلك بفضل ما تملكه من مواهب بشرية إبداعية ومواقع تصوير طبيعية وتاريخية فريدة. تتميز سوريا بتنوعها الجغرافي والثقافي الذي قلّما يجتمع في مكان واحد. فأزقة دمشق القديمة، وأسواقها العتيقة، وبيوتها الدمشقية ذات الطابع الشرقي الساحر، توفر للمخرجين والمنتجين خلفيات بصرية ثرية تصلح لمختلف أنواع الأعمال، سواء كانت تاريخية، اجتماعية، رومانسية أو واقعية.
المناخ المعتدل الذي يسود معظم شهور السنة، وتوفر الكوادر الفنية المحترفة، والبنية التحتية الجيدة نسبيًا، عوامل تجعل من سوريا بيئة محفزة لتصوير المسلسلات، وبتكلفة أقل مقارنة ببعض الدول المجاورة.
حاضنة دافئة
على الرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد في السنوات الأخيرة، والتي ألقت بظلالها على واقع الدراما والإنتاج الفني، إلا أن دمشق بدأت اليوم تستعيد مكانتها كحاضنة دافئة لصناع الدراما. يعود ذلك إلى التحسن الملحوظ في الوضع الأمني واللوجستي، مما شجع العديد من شركات الإنتاج العربية على التفكير الجاد في التصوير داخل الأراضي السورية.
في الآونة الأخيرة، بدأت عدة شركات إنتاج عربية بإعادة النظر في إمكانية التصوير في سوريا، مستفيدة من تحسن الظروف العامة وعودة الاستقرار إلى العاصمة دمشق وعدد من المحافظات. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، قناة “رؤيا” الأردنية التي اختارت دمشق لتصوير الجزء الثاني من مسلسل “يا أنا يا هي”، في خطوة تعكس ثقة متزايدة بالبيئة السورية كوجهة تصوير واعدة.
نشاط درامي ملحوظ
الأمر لا يقتصر على عمل واحد أو اثنين، بل تشير المؤشرات إلى أن دمشق تشهد هذه الفترة حراكًا دراميًا واسعًا، حيث يُصوّر فيها حاليًا ما يقارب عشرة أعمال درامية، تتنوع بين المسلسلات الاجتماعية والكوميدية والشامية. إضافة إلى ذلك، هناك عدة مشاريع أخرى قيد التحضير، يجري الإعداد لها على قدم وساق، ما يؤكد أن العاصمة السورية باتت مجددًا نقطة جذب حقيقية للمنتجين والمخرجين من داخل البلاد وخارجها.
رسالة واضحة
إن عودة الكاميرات إلى شوارع دمشق هي رسالة واضحة بأن الفن لا يموت، وأن سوريا، رغم كل التحديات، ما تزال تملك القدرة على الإبداع والعطاء. وقد أثبتت الكوادر السورية مرارًا أنها على قدر كبير من الاحتراف، ولديها الشغف والطاقة للعمل، خاصة مع تحسّن الظروف واستعداد الدولة لتسهيل عمليات الإنتاج واستقبال شركات عربية وأجنبية.
في ظل هذا المناخ المتفائل، من المتوقع أن نشهد في السنوات القليلة المقبلة تزايدًا في عدد الأعمال التي تُصور داخل سوريا، ما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني، وعلى المشهد الثقافي والفني، ويعيد للدراما السورية حضورها القوي عربيًا.
وائل العدس