أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتمديد حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بسوريا لعام إضافي، بدءًا من 14 تشرين الأول/أكتوبر وحتى التاريخ نفسه من عام 2026، جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية السورية والأميركية.
القرار، الذي نُشر في السجل الفيدرالي الأميركي، يؤكد أن "الوضع في سوريا لا يزال يقوّض الحملة الدولية ضد تنظيم داعش، ويهدد المدنيين السوريين، ويعرّض السلام والاستقرار الإقليمي للخطر".
التمديد لا يقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية، بل يشمل أبعادًا سياسية وقانونية واقتصادية تتعلق بالعقوبات المفروضة على النظام السابق ورموزه، ومستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والملف السوري بعد سقوط نظام الأسد السابق.
تعود حالة الطوارئ الخاصة بسوريا إلى أمر تنفيذي أصدره ترامب عام 2019 تحت الرقم (13894)، مستندًا إلى "انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وتجارة المخدرات المرتكبة من قبل نظام الأسد السابق".
هذا الأمر وفّر أساسًا قانونيًا للرئيس الأميركي لفرض عقوبات على شخصيات وكيانات مرتبطة بالنظام البائد، في إطار "حماية الأمن القومي الأميركي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".
في 30 حزيران/يونيو 2025، أصدر ترامب مرسومًا آخر ألغى بموجبه حالة الطوارئ القديمة المفروضة منذ عام 2004 أيام الرئيس جورج بوش، والتي كانت الأساس القانوني للعقوبات الواسعة على الدولة السورية. ومع ذلك، أبقى على حالة الطوارئ الصادرة عام 2019، بل وسّع نطاقها لتشمل ملفات جديدة، مثل "المساءلة عن جرائم الحرب والاتجار بالمخدرات".
قرار التمديد الجديد لا يعني استمرار العقوبات الشاملة على سوريا كدولة، بل الإبقاء على العقوبات الموجهة ضد شخصيات النظام السابق والمتورطين في الجرائم والانتهاكات.
التأكيد على المساءلة
قال ترامب في إخطار نُشر في السجل الفيدرالي: "لا تزال الظروف الاستثنائية وغير العادية المتعلقة بالوضع في سوريا تهدد الأمن القومي الأميركي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتستدعي استمرار العمل بحالة الطوارئ".
أوضح أن تمديد المرسوم لعام إضافي يهدف إلى "ضمان المساءلة الفعالة عن مرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان وشبكات المخدرات المرتبطة بالنظام البائد". وشدد على أن هذه العقوبات ستظل خاضعة للمراجعة الدورية، وفقًا لما تتخذه الحكومة السورية الجديدة من خطوات سياسية وقانونية.
أصوات سورية توضح الصورة
أثار القرار لغطًا بين بعض السوريين الذين اعتقدوا أن واشنطن جددت حالة الطوارئ القديمة التي استهدفت الشعب السوري بكامله. لكن شخصيات من المعارضة السورية – الأميركية سعت لتوضيح الفارق.
محمد علاء غانم، رئيس الشؤون السياسية للمجلس السوري الأميركي، كتب على منصة “إكس”: “للتوضيح: ألغى الرئيس ترامب حالة الطوارئ التي فُرضت عام 2004 وجُددت سنويًا حتى 2025، لكنه أبقى على حالة طوارئ أخرى أطلقها بنفسه عام 2019، ووسّعها في مرسوم حزيران/يونيو الماضي. هذه الطوارئ الجديدة تستهدف الأسد وأزلامه تحديدًا، وليس الشعب السوري. من يظن أنها رُفعت، فهو لا يدرك أن البيت الأبيض أبقى العصا الغليظة لمعاقبة الشبيحة، لا العكس”. وأضاف غانم ساخرًا أن بعض الأطراف "يحتفلون بإلغاء الطوارئ القديمة، غير مدركين أنهم هم المستهدفون بالنسخة الجديدة".
البعد القانوني والسياسي
التمييز بين الحالتين كان محور حديث عبد الحفيظ شرف، العضو الاستشاري في التحالف السوري الأميركي من أجل السلام والازدهار، الذي أكد أن ما جرى "خطوة دقيقة ومهمة".
وقال شرف في حديث لمنصة سوريا 24: "إنهاء حالة الطوارئ الصادرة عام 2004 يعني رفع العقوبات العامة التي أثقلت كاهل السوريين كدولة وشعب، بينما إبقاء حالة الطوارئ لعام 2019 يضمن استمرار العقوبات ضد الأسد وأركان نظامه وتجار المخدرات. الفرق كبير بين الحالتين: الأولى استهدفت سوريا كدولة، والثانية تستهدف مجرمي الحرب فقط".
وبذلك، فإن الخطوة الأميركية تحمل رسالة سياسية مزدوجة: دعم الحكومة السورية الجديدة للتعافي الاقتصادي، وفي الوقت نفسه عدم السماح لمرتكبي الجرائم بالإفلات من المحاسبة.
عقوبات موجهة لا عامة
من جهته، شدد الدكتور سامر الصفدي، استشاري في التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار، على أن التمديد "لا علاقة له بالشعب السوري، بل يركز على ملاحقة أركان النظام البائد".
وقال الصفدي في حديث لمنصة سوريا 24: "هذا التمديد يوفر أساسًا قانونيًا يتيح للحكومة الأميركية فرض عقوبات مستقبلية عند الحاجة على منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم الحرب وتجار المخدرات". وتابع: "هو رسالة واضحة بأن واشنطن لا تزال تعتبر هؤلاء خطرًا على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، ولذلك فإن هذه الحالة تظل تمثل تهديدًا غير عادي للأمن القومي الأميركي".
لماذا يهم السوريين؟
تمديد حالة الطوارئ الأميركية الخاصة بسوريا، رغم أنه يبدو إجراء قانونيًا داخليًا في الولايات المتحدة، إلا أنه يحمل انعكاسات مباشرة على الملف السوري. فهو أولًا يمنح البيت الأبيض مرونة في الاستمرار بفرض عقوبات على شخصيات محددة، بعيدًا عن العقوبات الشاملة التي أثقلت الشعب السوري لسنوات.
كما أنه، ثانيًا، يشكل رسالة دعم للحملة الدولية ضد الإرهاب، إذ يربط القرار بين استمرار التهديدات في سوريا وبين أمن الولايات المتحدة وحلفائها.
وثالثًا، يمنح المعارضة السورية ورقة ضغط سياسية في أي عملية تفاوض مقبلة، إذ يمكنها الاستناد إلى أن المجتمع الدولي – وعلى رأسه واشنطن – لا يزال يعتبر نظام الأسد السابق وأركانه خارج أي معادلة شرعية.
ووسط كل ذلك، لا يعني تمديد ترامب لخطة الطوارئ في سوريا استمرار العقوبات القديمة التي استهدفت السوريين ككل، بل يركز على الإبقاء على أدوات قانونية لملاحقة النظام السابق وشبكاته. وبينما قد يرى البعض أن القرار لا يغيّر كثيرًا في الواقع السوري اليومي، إلا أنه يحمل أهمية استراتيجية على المدى الطويل، إذ يضمن عدم إفلات المتورطين في الجرائم من المحاسبة، ويحافظ على ورقة ضغط أميركية في الملف السوري.
ولعل أبرز ما يمكن استخلاصه من هذه التطورات أن السياسة الأميركية تجاه سوريا لا تزال قائمة على مبدأين: رفع الضغط عن الشعب السوري، والإبقاء على الضغط على أركان النظام السابق، وهو ما يجعل من قرار التمديد خطوة سياسية مدروسة، أكثر من كونه مجرد إجراء روتيني قانوني.