الأحد, 5 أكتوبر 2025 11:04 AM

انتخابات سوريا بعد الأسد: بين الضرورة السياسية والطعون في الشرعية

انتخابات سوريا بعد الأسد: بين الضرورة السياسية والطعون في الشرعية

دمشق/ القامشلي – نورث برس

في أول انتخابات تشريعية تشهدها سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، يشتد الجدل حول مدى تمثيل هذه العملية الانتخابية للواقع السوري، خاصة مع استبعاد ثلاث محافظات رئيسية من المشاركة، وتعيين الرئيس السوري أحمد الشرع لسبعين عضواً في البرلمان الجديد دون انتخابات. يأتي ذلك في ظل تحديات أمنية وسياسية معلقة.

"ضرورة ملحة وسط تعقيدات سياسية"

يصف المحلل السياسي السوري توفيق عبدالحميد هذه الانتخابات بأنها "انتخابات الضرورة الملحة" في هذه المرحلة، مشيراً إلى أنها تهدف إلى إرساء بعض الأسس الشرعية للسلطة الجديدة بعد تشكيل هياكل اقتصادية وأمنية وعسكرية جزئية. ومع ذلك، يؤكد عبدالحميد على وجود "تعقيدات وعقبات كبيرة"، أبرزها استبعاد ثلاث محافظات سورية من العملية الانتخابية، معتبراً ذلك "خطأ تتحمله الجهة التي أوصت به". ويوضح أن هذه المناطق تختلف في طبيعتها السياسية والأمنية، حيث تخضع شمال شرق سوريا لإدارة ذاتية ببرنامج سياسي خاص، بينما تشهد السويداء مطالب انفصالية بقيادة الشيخ حكمت الهجري، ويتمتع الساحل السوري بسيطرة قوية من أنصار السلطة مع غياب تأثير واضح للمعارضين.

ويشدد عبدالحميد على أهمية السماح لهذه المحافظات بالمشاركة، مؤكداً أن ذلك "كان سيمنح العملية الانتخابية مصداقية سياسية أوسع، ويتيح لشخصيات محلية طرح رؤاها وبرامجها، ويجعل الانتخابات أكثر تفاعلاً وواقعية".

التعيين والانتخاب

يشير عبدالحميد إلى تعيين الرئيس أحمد الشرع لسبعين عضواً من أصل 210، وترك 140 للمنافسة الانتخابية، معتبراً أن هذا التقسيم يعكس طبيعة العملية السياسية الحالية. ويضيف أن "هذه الانتخابات لا تقوم على بيئة سياسية ناضجة أو مجتمع سياسي راسخ، فالثقافة السياسية السورية ضعيفة نتيجة تراكمات ستة عقود من الحكم المركزي وغياب الممارسة الديمقراطية".

من جهته، يرى المحلل السياسي سمير أبو صالح أن مجرد إجراء الانتخابات يمثل "خطوة إيجابية بالاتجاه الصحيح"، لكنه يشير إلى أن المقومات الضرورية لإنجاح هكذا عملية غير متوفرة بعد، على مستوى المواطنة والثقافة السياسية. ويضيف أن "الوضع الداخلي العام ما زال يعاني من صعوبات وأحداث مؤسفة ستترك آثاراً سلبية على العملية الانتخابية". ويقول أبو صالح إن "مسألة تعيين السبعين عضواً من قبل الرئاسة تتوافق مع مقررات الحكومة الانتقالية، بغض النظر عن مشروعيتها الدستورية".

فرض من جانب واحد

من جانبه، يرى الباحث في مركز الفرات للدراسات وليد جولي أن ما يجري في دمشق منذ سقوط النظام السابق "يتعارض من حيث المبدأ مع أسس ومبادئ المرحلة الانتقالية". ويقول إن المرحلة الراهنة "لم تُبن على قاعدة توافق وطني حقيقي، بل فُرضت من طرف واحد يسعى إلى إعادة إنتاج سلطة شمولية شديدة المركزية، ما يجعلها استمراراً للأزمة لا تجاوزاً لها". ويضيف أن ما حدث في سوريا بدأ بحوار وطني شكلي، تلاه إعلان دستوري أحادي، ثم تشكيل حكومة فئوية، وصولاً إلى عملية انتخابية "محسومة سلفاً من حيث بنيتها ونتائجها".

"أزمة سياسية"

يرى جولي أن الإشكال الأساسي لا يكمن في إقصاء ثلاث محافظات أو في التعيينات الرئاسية فقط، بل في "انعدام الشرعية المبدئية للمرحلة الانتقالية ذاتها". ويتساءل: "هل تمر سوريا فعلاً بمرحلة انتقالية، أم أنها ما زالت تعيش أزمة سياسية بنيوية أعمق من ذي قبل؟". ويشير إلى أنه حتى لو شاركت جميع المحافظات وعدّلت القوانين الانتخابية، "فإن العملية ستبقى فاقدة للشرعية لأنها تنطلق من مبدأ أحادي لا من عقد وطني جامع".

ويخلص جولي إلى أن تجاوز الأزمة لا يتم عبر إصلاح التفاصيل الانتخابية فقط، بل عبر "إعادة تعريف المرحلة الانتقالية كمشروع تأسيسي جديد لسوريا"، يقوم على "عقد وطني شامل، دستور توافقي يضمن الحقوق القومية والسياسية لجميع السوريين، نظام لا مركزي ديمقراطي ينهي مركزية الحكم القديمة ويعيد توزيع السلطة". ويشدد على أنه "فقط في ظل هذه الشروط يمكن الحديث عن شرعية حقيقية وانتقال فعلي نحو دولة مستقرة وعادلة وديمقراطية، لا عن إعادة إنتاج للأزمة تحت مسميات جديدة".

إعداد: عبدالسلام خوجه – تحرير: عكيد مشمش

مشاركة المقال: