عندما يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض، سيناقشان التطورات الكبيرة التي شهدتها المنطقة. الرئيس الأمريكي يرى أن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة أمر ممكن، لكن هذا يمثل تحديًا سياسيًا لنتنياهو. المنطقة تغيرت، وكذلك نتنياهو، وهذا التحول يجعل التنبؤ بالخطوات القادمة صعبًا.
على مدار عامين، نفذت إسرائيل عمليات جريئة، مستهدفة أهدافًا كانت تعتبر سابقًا غير قابلة للمساس، وتحملت عواصم إقليمية مثل الدوحة وطهران ودمشق تبعات تعهد نتنياهو بإعادة تشكيل المنطقة بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشاد نتنياهو بالعمليات العسكرية الإسرائيلية، قائلاً: "لقد ضربنا الحوثيين، وسحقنا الجزء الأكبر من آلة حماس الإرهابية، وشللنا حزب الله، وقضينا على معظم قادته وجزء كبير من ترسانته من الأسلحة، ودمرنا ترسانة الأسد في سوريا، وردعنا الميليشيات الشيعية الإيرانية في العراق، والأهم من ذلك كله، دمرنا برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الإيرانية". وأضاف: "نهضت إسرائيل من أحلك أيامها لتحقق واحدًا من أكثر الانتصارات العسكرية إثارة في التاريخ".
حرب إسرائيل في غزة تعكس جانبًا آخر من القصة. على مدى سنوات، اتسم نهج نتنياهو بصراعات قصيرة ومحدودة، خاصة في غزة. على سبيل المثال، استمرت عملية "عمود السحاب" في عام 2012 ثمانية أيام فقط. لكن حرب غزة الحالية ستكمل عامها الثاني في الشهر المقبل، وهي الأطول في تاريخ إسرائيل.
عندما عاد إلى السلطة في عام 2009، أعلن نتنياهو أن أحد أهدافه هو القضاء على حماس. وعلى الرغم من خطابه، كان يُنظر إلى سياسته الأمنية على أنها حذرة ومقيدة نسبيًا، حتى أن منافسيه سخروا منها ووصفوه بالعجز عن اتخاذ خطوات حاسمة. لكن بعد هجوم 7 أكتوبر، وعد نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط، وهذه المرة كان يعني ما قاله.
المحللون الذين توقعوا الحذر يواجهون واقعًا جديدًا. نتنياهو يتجنب الحروب الطويلة والعمليات البرية، مدركًا التكلفة والنتائج المترددة. لكنه الآن يواصلها، غالبًا ضد نصيحة جيشه. عارض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء إيال زامير، بشدة القرار الأخير بالاستيلاء على مدينة غزة، وشكك في العملية التي استهدفت قيادة حماس في قطر، لكن نتنياهو تجاهل تحذيراته.
وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي: "منذ بداية الحرب وحتى القرارات الأخيرة، بما في ذلك إيران وقطر، كان هناك دائمًا أشخاص عارضوا أو ترددوا أو أبدوا تحفظات. وهذا أمر طبيعي، ولكن في النهاية، فإن من يقرر هو مجلس الوزراء".
هذا التحول يثير سؤالًا جوهريًا: هل تغير نتنياهو بالفعل؟ مزال المعلم، مؤلفة كتاب "شفرة نتنياهو"، تقول إن نتنياهو أصبح "شخصًا مختلفًا تمامًا، خضع لتطور داخلي، مستبدلًا ميوله الرافضة للمخاطرة بنهج أمني أكثر استباقية ومغامرة". وأضافت أن الانهيار الأمني في 7 أكتوبر كان بمثابة "جرس إنذار"، وأنه استخلص درسًا مفاده أنه يجب عليه تحرير نفسه من المؤسسة الأمنية.
بصفته الزعيم الأطول خدمة في إسرائيل، كان نتنياهو مدفوعًا بالخوف من انهيار حكومته، ومن الانتخابات، ومن نتائج استطلاعات الرأي، ومن محاكمته بتهم الفساد. هذا الخوف منعه من إجراء تغييرات جذرية، لكنه سمح للاقتصاد الإسرائيلي بالازدهار.
أشيل فيفر، مراسل مجلة الإيكونوميست في إسرائيل ومؤلف كتاب "بيبي: الحياة والأوقات المضطربة لبنيامين نتنياهو"، يقول إن الدافع لم يتغير، حتى لو تغير تأثيره. ويضيف أن نتنياهو لا يزال شديد التحفظ تجاه المخاطر، ويخشى التغيير ويتمسك بالوضع الراهن. اتفاقيات إبراهام فُرضت عليه من قبل إدارة ترامب، وحرب غزة فُرضت عليه من قبل حماس. بمجرد أن أصبحت الحرب هي الوضع الراهن، تكيف نتنياهو.
ويقول فيفر إن نتنياهو لا يزال يحكمه الخوف، لكنه الآن يخشى شركاءه في الائتلاف أكثر من أي شيء آخر. حليفاه من أقصى اليمين، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يعارضان أي مفاوضات مع حماس، ويدفعان باتجاه احتلال دائم لغزة، وقد أدى تهديدهما بإسقاط الحكومة إلى تقييد قدرة نتنياهو في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
ويعترف فيفر بحدوث تحول في الرؤية، ويقول إن نتنياهو "في مرحلة يخشى فيها حكم التاريخ، ولن يتم تذكره كتشرشل وكمدافع عن إسرائيل. إنه في حاجة ماسة إلى إنجاز كبير يعيد كتابة التاريخ. فهو مقتنع بأن شيئًا ما سيمحو في النهاية السابع من أكتوبر من ذاكرة الإسرائيليين ويُظهره كمنقذهم".
يشبه فيفر نتنياهو بـ "مقامر يائس، يراهن على شيء مختلف في كل مرة على أمل ترسيخ مكانته في التاريخ". ويخلص إلى أن نتنياهو كائن مُعقد، وربما تحمل جميع النظريات بعض الحقيقة. فهو لا يزال يتجنب المخاطرة، ويخشى وقف إطلاق النار بقدر ما يخشى الحروب، رهينة ائتلافه، ورجل شديد الحذر تحول إلى مقامر يائس.
سواءٌ أكان مدفوعا بالتطور الاستراتيجي الحقيقي أم بغرائز البقاء، فإن تحوّل نتنياهو من مدير حذر إلى مقامر إقليمي لا يزال غير مكتمل. ربما قد تكون العمليات العسكرية على جبهات متعددة أعادت بعضا من قوة الردع الإسرائيلية، لكنها لم تُحقق بعد النصر الحاسم الذي يأمل أن يُعيد إحياء إرثه أو يضمن مستقبله السياسي. لقد تآكل التأييد الشعبي الإسرائيلي للحرب، وكذلك تراجعت شرعية إسرائيل الدولية. ولا يزال مستقبل قواعد اللعبة الجريئة الجديدة لنتنياهو غير واضح قبل اجتماعه مع ترامب في البيت الأبيض. طبيعة الرئيس المتقلبة تعني أن بإمكانه معارضة الخطوة التالية لإسرائيل مباشرة بعد دعمه للخطوة السابقة. ولكن في الواقع، قد تشير التصريحات المتفائلة الأخيرة التي أدلى بها ترامب حول اتفاق وشيك لإنهاء القتال، إلى أنه قد يجبر نتنياهو قريبا على قبول الوضع الراهن الجديد.