الأربعاء, 8 أكتوبر 2025 02:14 PM

مستقبل سوريا بعد الأسد: صراع نفوذ أم فرصة للاستقرار؟

مستقبل سوريا بعد الأسد: صراع نفوذ أم فرصة للاستقرار؟

في تحول تاريخي عميق، دخلت سوريا مرحلة جديدة بعد سقوط بشار الأسد ونظامه. هذا السقوط لم ينهِ الصراع، بل أطلق فصلًا جديدًا من التنافس على النفوذ والسيطرة، مما خلف تداعيات كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي. السؤال الآن: هل ستصبح سوريا ساحة لتنافس دولي جديد، أم ستتمكن من تحقيق الاستقرار؟

يواجه السوريون والقوى الفاعلة تحديات كبيرة، بما في ذلك إعادة بناء الدولة المدمرة والتعامل مع الانقسامات العميقة التي خلفتها سنوات الصراع. المشهد الجديد معقد، حيث يتشابك التنافس بين الفصائل المحلية المدعومة إقليميًا ودوليًا مع نفوذ القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران. تظل قضايا إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية ومعالجة الانقسامات الاجتماعية من الأولويات لضمان مستقبل مستقر.

بعد رحيل الأسد، شهدت سوريا إعادة تشكيل لخارطة السيطرة والنفوذ. لم تعد السلطة مركزية كما كانت في السابق، بل تشتتت بين فصائل متعددة وقوى إقليمية ودولية تسعى لفرض أجنداتها. المشهد السوري الآن عبارة عن فسيفساء معقدة من مراكز القوة المتباينة. في المناطق الشمالية والغربية والوسطى والبادية والجنوبية وأرياف السويداء، يسيطر الجيش السوري على جزء كبير من هذه المساحات. في المقابل، تحتفظ "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة بسيطرتها على مناطق واسعة شمال شرقي البلاد، حيث تتركز الثروات النفطية والموارد الزراعية. أما السويداء فما زالت تحت سيطرة ميليشيات الهجري المدعومة من إسرائيل. هذه الديناميكية تعيق توحيد القرار السياسي والأمني في البلاد.

التحديات الخارجية

يتسم المشهد السوري بوجود عسكري أجنبي كثيف، مما يعكس الأهمية الاستراتيجية لسوريا:

  • الولايات المتحدة: لها قواعد عسكرية شمال شرقي سوريا في مناطق سيطرة "قسد" لدعم حلفائها ومكافحة الإرهاب وموازنة النفوذ الإقليمي.
  • روسيا: تسعى للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، خاصة قاعدتيها في طرطوس وحميميم.
  • تركيا: تعزز نفوذها في الشمال بدعم فصائل المعارضة وضمان أمن حدودها.
  • إيران: تسعى لترسيخ وجودها عبر دعم بعض الميليشيات والجماعات.
  • إسرائيل: تشن غارات جوية استباقية على أهداف للجيش السوري وبعض القواعد التركية، وأقامت مناطق عازلة في الجولان، وتدعم الهجري في السويداء.

التحديات الداخلية

تواجه سوريا تحديات داخلية هائلة تتطلب جهودًا لإعادة بناء الدولة وتضميد الجراح الاجتماعية والسياسية.

إعادة الإعمار والاقتصاد المنهك: دمرت الحرب البنية التحتية السورية، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد. تحتاج البلاد إلى استثمارات ضخمة وجهود دولية منسقة لإعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية. الفساد والعقوبات الدولية يزيدان من تعقيد المشهد الاقتصادي.

المصالحة الوطنية ومعالجة الانقسامات: تجاوز الانقسامات الاجتماعية والسياسية والعرقية والطائفية يمثل تحديًا محوريًا. قضايا مثل مصير المعتقلين والكشف عن المقابر الجماعية وعودة النازحين واللاجئين تتطلب حلًا عادلًا وشاملًا.

تحقيق المصالحة الوطنية وبناء دولة ديمقراطية عادلة يضمن تمثيل جميع الأطراف هو السبيل الوحيد نحو استقرار مستدام.

الجيش السوري: يجب إعادة هيكلته ليصبح مؤسسة وطنية مهنية.

يجب تأسيس مؤسسات سياسية واقتصادية مستقرة وقادرة على تمثيل جميع أطياف المجتمع السوري لتفادي العودة إلى العنف.

السيناريوهات المستقبلية

تتعدد السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا:

  1. التفتت والتقسيم: استمرار الصراعات والتدخلات الخارجية قد يؤدي إلى تقسيم البلاد.
  2. الانتقال الديمقراطي التدريجي: نجاح جهود المصالحة وبناء المؤسسات الديمقراطية بدعم دولي.
  3. نموذج الهشاشة (على غرار العراق): استمرار التوترات والصراعات الداخلية والسياسية.

دور المجتمع الدولي وإعادة الاندماج الإقليمي

دور المجتمع الدولي حاسم في دعم عملية سياسية شاملة وحماية حقوق الإنسان بالتوافق مع قرار مجلس الأمن “2254”. شهدت الفترة التي تلت سقوط الأسد تحركات لإعادة تفعيل علاقات سوريا مع الدول العربية، مثل العودة إلى جامعة الدول العربية وإعادة فتح السفارات. تركيا تركز على تأمين حدودها، وإيران تسعى للحفاظ على شبكة حلفائها، ودول الخليج تراقب الوضع لتوازن النفوذ التركي ودعم الاندماج العربي.

أول انتخابات برلمانية وقضايا العدالة الانتقالية

تمثل أول انتخابات برلمانية خطوة نحو إعادة بناء المؤسسات الديمقراطية، ولكنها تواجه تحديًا لضمان تمثيل جميع الأقليات ونزاهتها. تتضمن تحديات بناء الديمقراطية معالجة قضايا العدالة الانتقالية مثل محاسبة المسؤولين عن الجرائم وتوفير التعويضات للضحايا.

في الختام، مستقبل سوريا بعد سقوط النظام محفوف بالغموض ولكنه يحمل آمالًا في تحقيق الاستقرار من خلال معالجة التحديات الداخلية وإدارة النفوذ الإقليمي والدولي المتنافس وتنفيذ المصالحة الوطنية. الطريق نحو دولة سورية موحدة ومستقرة وديمقراطية سيكون طويلًا، ولكن بالإرادة الوطنية والدعم الدولي يمكن تحقيق هذا الهدف.

مشاركة المقال: