الأحد, 12 أكتوبر 2025 03:42 PM

خارطة طريق السويداء: أزمة ثقة وتحديات محلية تعرقل التقدم

خارطة طريق السويداء: أزمة ثقة وتحديات محلية تعرقل التقدم

عنب بلدي – محمد كاخي

في 16 أيلول الماضي، أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين في سوريا عن التوصل إلى خارطة طريق لحل الأزمة في محافظة السويداء، وذلك عقب اجتماع ثلاثي في دمشق ضم وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم براك.

هذا الاجتماع جاء استكمالًا لمباحثات سابقة استضافتها العاصمة الأردنية عمان، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء والتوصل إلى حلول لمعالجة التوترات التي شهدتها المحافظة في الأشهر الماضية.

وفقًا للبيان الصادر عن وزارة الخارجية والمغتربين السورية، والمنشور عبر صفحتها في “فيسبوك”، اعتمد المجتمعون خارطة طريق تؤكد أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، وأن أبناءها مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. وأشار البيان إلى أن إنهاء فجوة الثقة بين الحكومة والسكان يتطلب خطوات متدرجة لإعادة بناء الثقة وإعادة دمج المحافظة بالكامل في مؤسسات الدولة.

تضمنت خارطة الطريق مجموعة من الإجراءات العاجلة، من أبرزها:

  • دعوة الحكومة السورية لجنة التحقيق الدولية المستقلة للتحقيق في الأحداث التي شهدتها السويداء.
  • محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات وفق القانون السوري.
  • استمرار إدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى المحافظة.
  • نشر قوات شرطية مؤهلة على طريق السويداء- دمشق لتأمين حركة المواطنين والتجارة.
  • دعم جهود “الصليب الأحمر” للإفراج عن جميع المحتجزين والمخطوفين واستكمال عمليات التبادل.
  • إعلان خطط لإعادة إعمار القرى والممتلكات المتضررة، مع مساعدة أردنية وأمريكية لتأمين التمويل اللازم.
  • تعزيز “سردية وطنية” تقوم على الوحدة والمساواة، وتجريم خطاب الكراهية والطائفية عبر تشريعات جديدة.

السويداء بين رفض “الخارطة” وتطبيقها

رفضت “اللجنة القانونية في محافظة السويداء” الاعتراف بـ”الخارطة”، ودعت الأطراف الدولية إلى دعم حق أبناء السويداء في تقرير مصيرهم، وعدم الاعتراف بأي ترتيبات تُفرض قسرًا على أهالي السويداء، مع ضمان تحقيق مستقل وآليات محاسبة دولية، بعيدًا عن هيمنة الحكومة السورية.

يرى الباحث والمحلل السياسي نوار شعبان، أن الفصائل المسلحة في السويداء ترفض الانخراط في أي مسار تفاوضي يؤدي إلى استقرار فعلي، لأن مصلحتها ترتبط ببقاء الوضع القائم، إذ تضم هذه التشكيلات شخصيات متورطة في تجارة السلاح والمخدرات ومن فلول النظام السابق، ما يجعل مصالحها شخصية بحتة وليست وطنية.

وقال شعبان، في حديث إلى عنب بلدي، إن الاستقرار بالنسبة لهذه الفصائل هو نهاية نفوذها “الميليشيوي”، وفتح الباب أمام المساءلة عن جرائمها السابقة، لذلك تسعى إلى عرقلة أي خطوة تؤدي إلى تهدئة أو مصالحة حقيقية، عبر التصعيد المتكرر ومحاولات زعزعة الأمن في المنطقة للحفاظ على بيئة الفوضى التي تخدم وجودها.

ويرى المحلل السياسي نادر الخليل، أن “الخارطة” تواجه رفضًا ضمنيًا نابعًا من انعدام الثقة المتراكم بين السكان المحليين بالسلطة في دمشق، فالسويداء عانت تاريخيًا من التهميش والوعود غير المنفذة، ما جعل جزءًا من المجتمع ينظر بحذر إلى أي مبادرة حكومية جديدة.

ويعتقد المحلل السياسي أن التعامل الأمني المفرط وغياب إشراك الأطراف المحلية في صياغة الحلول يعمّقان هذا الرفض، إذ يشعر كثير من الأهالي أن “الخارطة” تُطرح من فوق دون تمثيل حقيقي لمصالحهم. لذلك، فإن فرص قبولها تبقى محدودة ما لم تُترجم إلى خطوات عملية تشمل تعزيز الإدارة المحلية للمحافظة ضمن إطار الدولة الواحدة، وتحسين الخدمات، وتعزيز المشاركة المحلية، وضمان الشفافية في التنفيذ، بحسب الخليل.

وبالرغم من إعلان “اللجنة القانونية” رفض “الخارطة”، فإن فصائل السويداء أفرجت أيضًا عن محتجزين من أبناء العشائر، كما أوضح محافظ السويداء، مصطفى البكور، في أحدث مؤتمر صحفي أجراه في 8 من تشرين الأول الحالي، أن بعض الشخصيات المحلية بدأت بالانفتاح مجددًا على الحوار مع الحكومة السورية.

السكان المحليون يرفضون “الخارطة”

بدأ أهالي محافظة السويداء، في 16 من أيلول الماضي، حملة بعنوان “تقرير المصير”، جمعوا من خلالها توقيعات 22 ألف مواطن من المحافظة، بحسب شبكة “السويداء24″ المحلية، للمطالبة بحق أبناء السويداء في تقرير مصيرهم.

الباحث والمحلل السياسي نوار شعبان، يرى أن المشكلة لا تكمن في رفض أهالي السويداء لـ”خارطة الطريق” أو للحل المطروح بحد ذاته، بل في وجود “قوى ميليشياوية” تفرض سيطرتها على المحافظة وتمنع أي تحول فعلي نحو الاستقرار، فكثير من الشخصيات الوطنية داخل السويداء تُبدي رغبة صادقة في الانتقال نحو وضع أفضل، لكنها تصطدم بواقع تتحكم به مجموعات مسلحة تعوق حركة الناس وتفرض قيودًا حتى على التنقل إلى دمشق من دون “مبرر مقنع”.

تستفيد هذه المجموعات، وفق شعبان، من بقاء الحالة المضطربة لأنها تضمن استمرار نفوذها القائم على شبكات تجارة السلاح والمخدرات، وحماية كوادر ترتبط بأجهزة أمنية سابقة أو بجهات خارجية، لذلك فإن الموقف الحقيقي للأهالي ليس رفضًا للحلول، بل وجود حاجز بينهم وبين الدولة، ومحاولات من الفصائل المسلحة لتعطيل أي محاولة لتنفيذ خارطة الطريق التي يمكن أن تُعيد الاستقرار إلى المحافظة.

الحكومة تحاول احتواء الموقف

بعد أن قامت الحكومة السورية بنشر قواتها جنوبي سوريا في تموز الماضي، وما تبعها من تطورات أمنية، تدخلت خلالها إسرائيل بقصف مبنى هيئة الأركان وآليات الجيش السوري بالقرب من محافظة السويداء، كثفت دمشق نشاطاتها لحل الأزمة في السويداء، فسمحت للجنة التحقيق المستقلة بمباشرة أعمالها في المحافظة، واعتقلت أشخاصًا من وزارة الداخلية والدفاع يشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين في محافظة السويداء.

وأفرجت الحكومة عن 57 من أبناء محافظة السويداء كانوا محتجزين في سجن “عدرا” على دفعتين، ووعد محافظ السويداء، في أحدث مؤتمر صحفي له، بالإفراج عن جميع الموقوفين الأبرياء تباعًا.

تقدم هذه الإجراءات، بحسب الباحث والمحلل السياسي نوار شعبان، بوصفها إشارات على رغبة الحكومة في الحفاظ على التهدئة وتأكيد مسؤوليتها كدولة ترعى شؤون المواطنين، مقابل التزامها بعدم الانجرار إلى مواجهات واسعة مع الفصائل المسلحة.

وأشار شعبان إلى أن هذا النهج يهدف إلى حماية المدنيين وتثبيت الاستقرار التدريجي، رغم محاولات بعض “المجموعات الميليشياوية” إفشاله عبر التصعيد والاستفزاز المتكرر، وبالتالي، تحاول الحكومة السورية احتواء الموقف في السويداء ومدّ يدها مجددًا نحو الحل.

تحديات تطبيق “الخارطة”

بالرغم من تعقد المشهد في محافظة السويداء، المتمثل في رفض “اللجنة القانونية” وأهالي المحافظة لـ”الخارطة”، وانسداد الأفق أمام أي حل في المستقبل القريب، فإن المؤشرات على الأرض تقر بأنه هناك دفعًا باتجاه تنفيذ بنود “الخارطة” للوصول إلى حل شامل لأزمة محافظة السويداء.

في المقابل، تحاول إسرائيل الضغط لاستمرار اللعب بورقة السويداء، فبحسب ما نقلته وكالة “رويترز” في 26 من أيلول الماضي، واجهت جهود التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل “عقبة” في اللحظة الأخيرة بسبب مطلب الأخيرة السماح لها بفتح “ممر إنساني” إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا.

ونقلت الوكالة عن أربعة مصادر مطلعة على المحادثات، أن الاتفاق تعثر بسبب الطلب الإسرائيلي المتجدد بممر إنساني من إسرائيل إلى السويداء.

يرى الباحث والمحلل السياسي نوار شعبان، أن الصعوبة الأساسية في تنفيذ “خارطة الطريق” تكمن في غياب الطرف المحلي المستعد فعليًا للانخراط في عملية الحل، في ظل هيمنة قوى تستفيد من بقاء الوضع القائم وتحوله إلى مصدر دائم لنفوذها.

بينما يرى المحلل السياسي نادر الخليل، أن “الخارطة” تواجه جملة من التحديات المعقدة التي تعوق تحويلها إلى واقع ملموس، أبرزها انعدام الثقة المتراكم بين السكان المحليين والسلطات المركزية، كما يشكل التعامل الأمني المفرط وغياب إشراك حقيقي للأطراف المحلية في صياغة وتنفيذ الحلول عقبة أساسية أمام نجاح أي مسار تفاوضي.

وتزداد الصعوبة، بحسب الخليل، مع ضعف الشفافية والمساءلة وغياب الضمانات التي تضمن التزام جميع الأطراف ببنود الاتفاق، إلى جانب الظروف المعيشية المتدهورة التي تغذي مشاعر الرفض وعدم القبول الشعبي، لذلك فإن نجاح الخارطة يتوقف على معالجة هذه التحديات ببناء الثقة، وإشراك المجتمع المحلي، وتحسين الخدمات والأمن، وتقديم ضمانات دولية أو إقليمية بما يضمن عدم تراجع أي طرف عن التزاماته، وإطلاق حوار وطني شامل، والذي يبقى حاجة مُلحة، على أن يتجاوز حدود السويداء ليشمل جميع المناطق السورية.

مشاركة المقال: