الأحد, 12 أكتوبر 2025 08:30 PM

صرخة في وجه الفقر: أطفال يبيعون طفولتهم في ظل صمت المجتمع

صرخة في وجه الفقر: أطفال يبيعون طفولتهم في ظل صمت المجتمع

بقلم: المهندس باسل قس نصر الله

يقول المهندس باسل قس نصر الله: صُعقتُ عندما سمعت طفلاً لم يتجاوز العاشرة من عمره، وهو يتيم الأب، يقول بينما يمسك علبة محارم صغيرة: "عم جيب مصاري لأهلي". كان يقف بالقرب من دورات المياه في أحد المطاعم، يمد يده بخجل ليحصل على بضع ليرات تسكت ضمائرنا بشكل مؤقت.

نظرت إلى وجهه فرأيت ملامح طفل أنهكته الحياة مبكراً، وعينين خاليتين من أي أثر للطفولة. هذا الطفل مكانه الطبيعي هو المدرسة، بين الكتب والأحلام، وليس على الأرصفة وبين دخان السيارات. مكانه في دفء الصف، لا في برد الممرات. أين هو العقد الاجتماعي الذي يربطنا كمجتمع؟ وأين الدولة التي تحمي مستقبلنا بحماية أطفالنا؟ الدولة تتركهم في الشوارع، وعندما يكبرون، تقوم بالقبض عليهم بعد أن يتحولوا إلى مجرمين أو ممارسي دعارة. أليس هذا مخالفاً لقول الله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"؟ فالقوة، في نظر الكثيرين، ليست في السلاح وحده، بل في العلم والكرامة والعدالة.

نعم، إنه الفساد. والفساد ليس مجرد رشوة. الفساد هو أن نرى المأساة ونسكت، وأن نبرر التقصير بالظروف، وأن نعتاد على الوجع الذي لم يعد يهزنا. ليس الموظف المرتشي وحده فاسداً، ولا الذي يستغل الوطن لمصلحته فقط. الفساد يكمن أيضاً في الصحفي الذي يبتز الناس، وفي رجل الدين – من أي مذهب كان – الذي يبني مجده باسم الله، وفي المسؤول الذي كان يعيش في برج عاجي ويعتبر الشعب مجرد نعاج، وفي المدير الذي يساوم موظفيه على "الشهريات".

هل زرتم أحزمة الفقر التي تحيط بالمدن السورية؟ هل رأيتم الأطفال الذين يمسحون زجاج السيارات عند الإشارات الضوئية، وبائعات المحارم الورقية أو ربطات الخبز؟ هل رفعنا أصواتنا جميعاً للتحدث عن الفقر المخيف في بلدنا؟ نحن فاسدون لأن أخطر أنواع الفساد هو صمتنا. "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه"، و "قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل" (ص). أليس هذا الطفل من اليتامى والمساكين؟

نحن نتفنن في طعامنا وسهراتنا، ونتجاهل أننا في زمن يحتاج إلى بناء الإنسان قبل بناء الحجر. نحتاج إلى إعادة صوت الضمير، وإلى إعادة تعريف المسؤولية. هناك العديد من الجمعيات الخيرية، ولكن صوتها وحده لا يكفي - وقد زرتُ المبرة الإسلامية في حلب والتي تعمل المستحيل لأجل هؤلاء الأطفال - ولكن المجتمع بأكمله مسؤول. قال النبي ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، و "من رأى منكم منكراً فليغيره...". فهل بقي فينا من يغير؟

إن ازدياد الفقر والبطالة واتساع الفوارق الاجتماعية ليست مجرد أرقام عابرة، بل هي إنذار بأننا نفرط بإنساننا. فحين يبيع الأطفال طفولتهم، نشتري نحن صمتنا ونخسر المستقبل بأيدينا.

اللهم اشهد بأني قد بلغت (أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: