الأربعاء, 15 أكتوبر 2025 02:36 PM

غزة: عودة إلى الأنقاض ومستقبل غامض بعد الهدنة

غزة: عودة إلى الأنقاض ومستقبل غامض بعد الهدنة

تُنشر هذه المادة في إطار شراكة إعلامية بين عنب بلدي وDW

تنتظر نسرين حمد بفارغ الصبر أي أخبار من زوجها. بقيت هي وأطفالها الثلاثة في مكان لجوئهم في دير البلح بوسط قطاع غزة، بينما انطلق زوجها في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة.

قالت نسرين حمد لـDW عبر الهاتف: "ذهب زوجي يوم الأحد (12 تشرين الأول/أكتوبر 2025) إلى منزلنا. كنا نعلم أنه تعرض للقصف، لكن رؤيته بأعيننا زادت الألم". وأضافت: "لقد دُمر المنزل بالكامل، ولم يعد بالإمكان التعرف على جزء كبير من الحي".

زوج نسرين هو واحد من بين عشرات الآلاف الذين عادوا إلى ديارهم بعد إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار ظهر يوم الجمعة (10 تشرين الأول/أكتوبر 2025). وأظهرت مقاطع فيديو تدفقًا مستمرًا من الناس، معظمهم يسيرون على الأقدام على طول الطريق الساحلي إلى شمال قطاع غزة، الذي أُجبروا على مغادرته سابقًا.

هدنة هشة

في الأسبوع الماضي، اتفقت حماس وإسرائيل، بعد مفاوضات مكثفة غير مباشرة، على خطة من 20 نقطة اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية. ويفترض أن ينهي هذا الاتفاق الحرب المستمرة منذ عامين بين إسرائيل وحركة حماس. ومع ذلك، لا تزال العديد من النقاط المثيرة للجدل في هذه الخطة الأمريكية الطموحة بحاجة إلى نقاش مفصل.

في المرحلة الأولى، أطلقت حماس يوم الاثنين سراح الرهائن العشرين الباقين على قيد الحياة، بينما ستفرج إسرائيل عن حوالي 2000 معتقل فلسطيني، العديد منهم معتقلون دون تهم. ومن المقرر أيضًا تسليم جثث 28 رهينة متبقية لدى حماس.

بدأت الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما شنت حماس، المصنفة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وألمانيا ودول أخرى منظمة إرهابية، هجمات على العديد من القرى الإسرائيلية والقواعد العسكرية وعلى مهرجان نوفا الموسيقي بالقرب من قطاع غزة. وبحسب السلطات الإسرائيلية، أسفرت هذه الهجمات عن مقتل حوالي 1200 شخص، واختطاف حوالي 250 رهينة إلى قطاع غزة.

"خراب نفسي"

تقول نسرين حمد إنها، على الرغم من شعورها بالارتياح لتوقف القصف الإسرائيلي، تعتبر خسارة منزلها مجرد ذكرى مؤلمة واحدة من بين ذكريات كثيرة لكفاحها من أجل البقاء خلال العامين الماضيين: فقد تم تهجيرها 17 مرة خلال هذه الفترة.

وتضيف نسرين حمد: "انتهت الحرب، والحمد لله، ولكن بعد أن قتلت كل شيء فينا. قتلت الأصدقاء والأقارب والجيران. ودمرت غزة. وحولتنا إلى خراب نفسي. وزرعت فينا الأمراض بسبب عدم وجود دواء، والتهجير، وتلوث البيئة". وتتابع: "آمل ألا تعود الحرب أبدًا، وألا نضطر إلى الشعور بالخوف مرة أخرى".

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي ثلثي المباني في غزة قد تضررت أو دُمرت منذ بدء الحرب. وتقول السلطات الصحية التابعة لحماس إن أكثر من 67 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، قتلوا خلال الحرب على مدى عامين. ووصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة من أجل الأراضي الفلسطينية المحتلة هذه الحرب بأنها إبادة جماعية، وهي تهمة ترفضها إسرائيل بشدة.

"إسرائيل خلقت لنفسها أعداء جدد"

لم يستجب الجميع لقرارات الإجلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي في بداية أيلول/سبتمبر الماضي، قبل أن يكثف هجماته من أجل احتلال مدينة غزة. فعلى سبيل المثال، لم يتمكن محمود عفيف مع أطفاله الستة من تحمل تكاليف النقل أو حتى السكن في جنوب قطاع غزة.

قال محمود عفيف في مكالمة هاتفية من مدينة غزة: "تنقلت بين ثلاثة أماكن غرب مدينة غزة، والحمد لله نجوت أنا وجميع أطفالي". ومع ذلك، فإن بيته، كما يقول، تدمر وسوي بالأرض: "لقد خسرت بيتي الذي بنيته طيلة حياتي بلا كلل مع إخوتي، وكل هذا بسبب حماس وإسرائيل. وكل ما حدث في غزة خلال السنتين الماضيتين لم يأت بأي شيء. بل على العكس، فقد أرجع غزة سنوات إلى الوراء. وإسرائيل خلقت لنفسها أعداءً لسنين عديدة".

من جانبه، انسحب الجيش الإسرائيلي بشكل جزئي إلى الخط المتفق عليه في المرحلة الأولى. ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي ما يزال يسيطر، بحسب قوله، على 53 بالمائة على الأقل من قطاع غزة. وقد أعلن متحدث باسم الجيش أن هناك مناطق عديدة، وخاصة في الشمال والشرق والجنوب، ما يزال لا يُسمح للفلسطينيين دخولها، وأن الاقتراب من هذه المناطق قد يشكل "خطرًا على الحياة".

فاتن لباد، شابة فلسطينية من حي الشيخ رضوان، وجدت ملجأ مع عائلتها داخل زنزانة في سجن سابق بمنطقة خان يونس وسط قطاع غزة. ولفترة طويلة، تحدوا الخطر الكبير وأصروا على البقاء بالقرب من منزلهم شمال مدينة غزة. بيد أن الهجوم الإسرائيلي الشديد على مدينة غزة في أيلول/سبتمبر لم يترك لهم أي خيار سوى الهرب نحو الجنوب.

تبدو فاتن لباد متعبة ومصدومة. وتقول إنها لا ترى أي مستقبل لها في مدينة غزة: "العودة إلى الشمال غير مجدية بعد أن فقدنا منازلنا. ويمكننا أن نعيش هناك مؤقتًا حتى نحصل على جوازات سفر جديدة من أجل الهروب من جحيم غزة". وتضيف أنها تريد أولًا الذهاب إلى مصر أو أي دولة أخرى: "الحرب في غزة ربما تكون قد انتهت، ولكن الجحيم ما يزال مستمرًا".

آمال محدودة بالمستقبل

تثير الشكوك في استمرار وقف إطلاق النار وإلى متى سيستمر قلق الكثيرين في غزة. وذلك لأن إسرائيل قد خرقت في منتصف آذار/مارس وقف إطلاق النار من جانب واحد واستأنفت القتال بكل ضراوة. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدد بالقيام بذلك مرة أخرى إذا لم تقم حماس بتسليم أسلحتها.

على أية حال، يجد الكثيرون صعوبة في تصور مستقبل نظرًا إلى هذا الدمار الذي يبدو بلا حدود. وكذلك يشعر الآباء والأمهات مثل نسرين حمد بالقلق بشأن تعليم وصحة أطفالهم. فهم لم يذهبوا إلى المدرسة منذ سنتين. وأجزاء كبيرة من نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة مدمرة.

على الرغم من أن خطة ترامب للسلام تنص على إيصال المساعدات، لكن من غير الواضح كم يبلغ حجم المساعدات الإنسانية التي ستسمح إسرائيل بدخولها عبر المعابر الحدودية. وعلى المدى المتوسط، يُطرح أيضًا السؤال حول من سيحكم قطاع غزة في المستقبل. وتنص الخطة على إنشاء إدارة تكنوقراطية بقيادة فلسطينية، وتشرف عليها مجموعة دولية برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في منصب رئيسي.

تجاهلت الخطة رغبات سكان غزة إلى حد كبير. وتقول نسرين حمد: "أنا لا أريد حماس أو أية جماعة أخرى. وأية منظمة دولية تستطيع حكمنا وإعادة إعمار قطاع غزة ستكون مرحباً بها". ومحمود عفيف يرى ذلك بشكل مشابه ويقول: "أنا لا أعرف من سيحكم قطاع غزة، ولكنني أعرف أنني لا أريد أحدًا من الحقبة السابقة". والمقصود هنا بشكل خاص حركة حماس الإسلامية المتشددة، التي طردت السلطة الوطنية الفلسطينية من قطاع غزة في عام 2007 وتولت الحكم في هذا القطاع الساحلي.

ويختتم محمود عفيف: "أتمنى لأطفالي، أن من يقود الشعب، أيًا كان، يقدّم للناس مستقبلًا أفضل".

أعده للعربية: رائد الباش

مشاركة المقال: