السبت, 18 أكتوبر 2025 10:57 PM

زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو: قراءة في الرسائل السياسية المشفرة للعلاقات الدبلوماسية

زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو: قراءة في الرسائل السياسية المشفرة للعلاقات الدبلوماسية

مقال رأي - حسام نجار

تُعتبر العلاقات الدبلوماسية بين الدول من الأدوات الأكثر تعقيدًا وحساسية في السياسة الخارجية. فهي تتجاوز اللقاءات الرسمية والتصريحات إلى تفاصيل رمزية دقيقة تحمل دلالات سياسية عميقة. الدبلوماسية لا تقتصر على الحوار المباشر، بل تتجلى في لغة الإشارات والإيماءات والبروتوكولات التي ترافق اللقاءات الرسمية، والتي غالبًا ما تُستخدم للتواصل غير اللفظي بين الدول.

الرمزية في الممارسة الدبلوماسية

تُعد التفاصيل البروتوكولية في الاستقبال واللقاءات جزءًا من اللغة الرمزية للعلاقات الدولية. الطرف الزائر يقرأ بدقة ترتيب الجلوس، ومستوى الحفاوة، وطبيعة المرافقة، وحتى لغة الجسد لدى الطرف المضيف. قدرة القائد أو المبعوث على فهم هذه الرموز والتفاعل معها بطريقة لائقة تُعتبر مؤشرًا على مستوى الوعي السياسي والدبلوماسي لديه. الرد اللبق والمدروس قد يعادل تصريحًا سياسيًا صريحًا، بينما الانفعال أو سوء التصرف قد يكشف عن محدودية الخبرة الدبلوماسية.

تحليل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو

يمكن النظر إلى زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو كـ حدث سياسي يتجاوز الإطار البروتوكولي التقليدي، إلى تفاعل رمزي متبادل بين الدولتين. كل تفصيل في الزيارة، بدءًا من الاستقبال، مرورًا بالمسار إلى قاعة اللقاء، وانتهاءً بترتيب الجلوس، يحمل دلالات واضحة على الرسائل التي أرادت موسكو توجيهها إلى الداخل السوري والإقليم. في المقابل، أظهر الرئيس الشرع قدرة عالية على قراءة هذه الرموز والتعامل معها بذكاء دبلوماسي رفيع، حيث تمكن من الرد غير المباشر على تلك الإشارات دون الإخلال بالبروتوكول أو إظهار أي توتر.

الرمزية في المشهد البروتوكولي

المشهد الذي رافق صعود الرئيس الشرع درجًا طويلًا يقارب الأربعين درجة هو مثال على التداخل بين الرمز والموقف. سواء أكان اختيار هذا المسار مقصودًا أم لا، فقد تعامل الرئيس معه بثقة، محولًا هذا التفصيل البسيط إلى رمز سياسي معبّر. علّق الرئيس بلهجة فكاهية أن العقبات التي تواجه سوريا ليست سوى درجات تصعدها بثبات نحو الأعلى، مؤكدًا على مرونة الدولة السورية وقدرتها على التكيف والتجدد في مواجهة التحديات. هذا التعليق حمل رسالة سياسية عميقة إلى الطرف الروسي والمراقبين الإقليميين، مفادها أن سوريا تمتلك القدرة على الصمود والمناورة، وأنها ماضية في مسارها بروح واقعية وإرادة متجددة.

أبعاد الرسالة السورية

من المؤكد أن الرئيس بوتين وصانع القرار الروسي تلقوا هذه الإشارة بوضوح. فالتفاعل الدبلوماسي في مثل هذه اللقاءات لا يقتصر على المباحثات، بل على التواصل الرمزي غير المباشر الذي يعبر عن مواقف الدول وتوجهاتها. يمكن القول إن الدبلوماسية السورية الحديثة تسعى إلى تكريس مبدأ الشراكة الندية في العلاقات الدولية، بعيدًا عن التبعية أو الارتهان لأي محور. سوريا دولة تبدي استعدادًا للتعاون من موقع الند، وتسعى لأن تكون فاعلًا إيجابيًا في محيطها الإقليمي والدولي. رغم التحديات الداخلية والخارجية، فإن سلوكها الدبلوماسي يعكس رغبة واضحة في الموازنة بين الإمكانيات المتاحة والطموحات الوطنية. زيارة موسكو هي خطوة ضرورية ضمن هذا المسار، وتمثل عنوانًا لمرحلة جديدة من الانفتاح المدروس، القائم على قاعدة واضحة: ((لا شرقية ولا غربية، بل إرادة محلية)).

مشاركة المقال: