الخميس, 23 أكتوبر 2025 09:56 PM

تفاقم العنف المدرسي: اعتداء الطلاب على المعلمين ينذر بأزمة في المنظومة التربوية

تفاقم العنف المدرسي: اعتداء الطلاب على المعلمين ينذر بأزمة في المنظومة التربوية

تداول مستخدمو فيسبوك مؤخرًا مقاطع فيديو تظهر حالات عنف مدرسي واعتداء طلاب على معلميهم. اللافت في الأمر هو تطور هذه الاعتداءات لتشمل تخريب ممتلكات المعلمين، مثل تكسير سياراتهم وإلحاق الأذى النفسي بهم.

يقول نادر، وهو مدرس، إن الاعتداء على المعلمين لم يعد مجرد حالات فردية، بل تحول إلى ظاهرة متكررة يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانًا بغرض التفاخر. ويربط نادر هذه الظاهرة بغياب التربية الأسرية وتدهور مستوى التعليم والنظرة السلبية للمعلم.

من جهتها، تعتبر هيا، وهي معلمة في المرحلة الابتدائية، أن هذه الظاهرة غير أخلاقية وغير حضارية، وتعبر عن قلقها بشأن مستقبل القطاع التعليمي. وتشير إلى أن المعلم، كغيره من المهنيين، يعمل بجد لتأمين معيشته، ثم يأتي طالب غير مسؤول ليؤذيه ويحمله أعباء مالية ونفسية نتيجة تخريب ممتلكاته أو الاعتداء عليه جسديًا، دون أن يدرك أن المعلم هو بمثابة الأب الذي يزوده بالمعرفة والقيم والأخلاق.

سألت مراسلة الحرية خبيرة التوجيه والإرشاد النفسي والاجتماعي مي برقاوي عن كيفية حماية الكوادر التربوية من إساءة الطلاب، خاصة مع صدور قرار من وزارة التربية بمنع الكادر التدريسي من أي اعتداء لفظي أو جسدي على الطلاب. فأجابت برقاوي بأن معالجة هذه المشكلة يجب أن تبدأ بالتخطيط التربوي المستمر للمدرسة، والذي يراعي مشكلات الطلاب والمعلمين على حد سواء. وأكدت على أهمية وجود رؤية تربوية واضحة للمدرسة يتم تطبيقها ودمجها مع مبادئ حقوق الإنسان، واعتمادها في حل النزاعات بين الطلاب أو بينهم وبين المعلمين. واعتبرت أن هذه الرؤية هي بمثابة مدونة السلوك الإيجابي التي تحكم العلاقة بين جميع الأطراف في المدرسة. وأشارت إلى ضرورة أن يتواضع المدرس ويتخلى عن المفاهيم القديمة للعقاب، وأن يدرك أن العقاب بالمعنى التقليدي لم يعد مجديًا في تعديل سلوك الطالب أو رفع مستواه الدراسي، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية مثل توليد مشاعر الكره والعداء والتسرب المدرسي.

أكدت برقاوي على الدور الكبير الذي يلعبه الأهل في مواجهة سلوكيات أبنائهم الخاطئة تجاه المعلمين، وذلك من خلال الاهتمام بتثقيف أنفسهم والتعاون مع المدرس والمدرسة في حل المشكلات وتعزيز المناعة لدى الأبناء ضد انتهاك القواعد السلوكية والقوانين المدرسية.

كما نوهت بأهمية تعاون الأهل مع برنامج الإرشاد النفسي والاجتماعي في المدرسة، والذي يهدف إلى النمو النفسي والاجتماعي والوجداني والانفعالي للطلاب، والتواصل المستمر معهم. ودعت إلى وضع آليات وأنشطة من قبل الإدارة المدرسية والمعلمين والطلاب والأهالي وبعض من خبرات المجتمع المحلي لتبادل الآراء والأفكار التي تسهم في ضبط سلوكيات الطلاب ومساندة المعلمين.

أشارت برقاوي إلى أن مسؤولية المعلم تجاه الطالب مهمة جدًا في إعداده للحياة، وذلك من خلال تنمية طاقاته ومعارفه والتكيف مع محيطه الاجتماعي، وتنمية الحس الأخلاقي والقيم والحب والتسامح لديه. وأكدت على أن المعلمين أيضًا بحاجة إلى الدعم والمساندة والاحترام والشعور بالأمان والتقدير، وتفهم وضعهم الاجتماعي والتحديات التي يواجهونها ومساعدتهم في تذليلها. فكما يحتاج الطالب إلى مدرسة آمنة وجاذبة، كذلك المعلم يحتاج إلى مدرسة آمنة تحفظ حقوقه.

وشددت على أن العمل التربوي هو حلقة متكاملة تتطلب التشاركية بين إدارة المدرسة والكادر التدريسي والطلاب وأولياء الأمور والمجتمع المحلي، وأنه من دون هذا التكامل لا يمكن للمدرسة تحقيق أهدافها وحل مشكلاتها.

أوضحت الاختصاصية التربوية والاجتماعية د. يارا أحمد أن ظاهرة الاعتداء على المعلمين من قبل بعض الطلاب بدأت تتسلل إلى مدارسنا في السنوات الأخيرة، وأصبحت مؤشرًا على خلل أعمق في العلاقة التربوية داخل المدرسة والمجتمع. وأشارت إلى أن رفع الطالب صوته أو مد يده على معلمه يعكس تحولًا ثقافيًا وتربويًا يمس قيم الاحترام والتقدير التي تربينا عليها.

أكدت د. أحمد أن هذه الظاهرة هي نتيجة تراكمات متعددة تبدأ من البيت قبل المدرسة، حيث أن الكثير من الأسر لم تعد تتابع أبناءها كما يجب، وبعضها يتعامل مع المعلم وكأنه خصم للطالب لا شريك في تربيته. واعتبرت أن هذا الموقف المنزلي المتهاون يشجع الطالب على التمادي ويضعف سلطة المربي في عينيه.

وأضافت أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا في تشويه صورة المعلم، ما رسخ لدى بعض الطلبة فكرة أن المعلم يمكن أن يهاجم أو ينتقد بلا حدود. واعتبرت أن هذا التراجع في المكانة الاجتماعية للمربي انعكس مباشرة على سلوك الطلاب في الصفوف الدراسية.

كما أشارت إلى أن القرارات التربوية الحديثة التي منعت العقوبات الجسدية واللفظية في المدارس، لم ترفق ببدائل تربوية واضحة تمكن المعلم من ضبط السلوك الطلابي بطريقة فعالة، ما أدى إلى إساءة فهم المنع من قبل بعض الطلاب وتحول الحرية إلى فوضى.

ترى د. أحمد أن معالجة هذه الظاهرة تحتاج إلى مقاربة شاملة تعيد التوازن إلى العلاقة بين الطالب والمعلم، وإلى إعادة الاعتبار للمعلم في الوعي المجتمعي، وتفعيل دور الإرشاد النفسي والاجتماعي داخل المدارس، وتدريب المعلمين على أساليب التواصل الإيجابي وضبط الصف دون استخدام العنف.

وختمت د. أحمد حديثها بالتأكيد على أن التربية ليست مسؤولية المعلم وحده ولا الأسرة وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة تبدأ من البيت وتترسخ في المدرسة وتصان في المجتمع.

مشاركة المقال: