الخميس, 23 أكتوبر 2025 09:56 PM

الأوقاف السورية تضع ضوابط جديدة لخطاب المنابر: تحييد القضايا الخلافية وتعزيز الوحدة

الأوقاف السورية تضع ضوابط جديدة لخطاب المنابر: تحييد القضايا الخلافية وتعزيز الوحدة

أثار تعميم صادر عن مديرية أوقاف ريف دمشق التابعة لوزارة الأوقاف السورية، موجه للأئمة والخطباء في المحافظة، تساؤلات حول دور الأوقاف في تنظيم وتوجيه الخطاب الديني. التعميم رقم “244/1” يحدد ضوابط لخطب الجمعة والدروس الدينية في المساجد.

أوضح الشيخ رامي السقا، معاون مدير أوقاف ريف دمشق، في حديث لعنب بلدي، أن إصدار هذه التعاميم هو إجراء دوري يهدف إلى التنبيه من أخطاء محتملة أو توجيه الخطاب الديني نحو قيم مجتمعية وسياسية تساهم في بناء الدولة وتعزيز الاستقرار. وأشار إلى أن القضايا الخلافية المطروحة على المنابر أو عبر وسائل التواصل غالبًا ما تكون نابعة من شباب متحمسين لم يتعمقوا في علوم الشريعة.

أكد السقا أن الهدف من التعميم ليس فرض رؤية الحكومة أو تقييد الخطباء، بل حماية المنبر من الجدل الذي قد يبرر تدخل السلطات في الشأن الديني.

الابتعاد عن القضايا الخلافية

يشدد تعميم مديرية أوقاف ريف دمشق، الصادر في 21 تشرين الأول، على تجنب طرح المسائل التي تثير النزاع في الدروس أو على المنابر، خاصة المسائل العقدية الخلافية بين مدارس أهل السنة. وأوضح الشيخ رامي السقا أن هذه القضايا تاريخية وتدور حول مسائل فلسفية دقيقة، ولا تفيد العامة بل تزرع الانقسام. وأكد أن الأوقاف لا تمنع الخوض في العلم، ولكن في الدوائر الأكاديمية المتخصصة وليس على المنابر العامة.

تعميم صادر عن مديرية أوقاف ريف دمشق

تعميم صادر عن مديرية أوقاف ريف دمشق موجه لأئمة وخطباء المساجد في محافظة ريف دمشق – 21 تشرين الأول 2025 (فيسبوك)

تحديد مدة الخطبة.. توجيه تنظيمي لا تقييدي

يؤكد التعميم أيضًا على ألا تتجاوز خطبة الجمعة 20 دقيقة، وهو ما اعتبره البعض تضييقًا على حرية الخطيب. لكن الشيخ السقا أوضح أن الهدف هو تنظيم الوقت وليس تقييد المضمون، وأن تقليص المدة يساعد الخطيب على التركيز وتجنب تشتيت المستمعين. وأشار إلى أن هذا التوجه معمول به في معظم الدول الإسلامية.

لا تدخل في شؤون الدول

أكد التعميم على عدم التطرق إلى شؤون الدول الأخرى أو ذكرها على المنابر. وأوضح السقا أن هذا البند جاء بعد تجاوزات نادرة من بعض الخطباء، وأن الوزارة سارعت للتنبيه لتجنب تحول الأمر إلى مواقف سياسية لا تتناسب مع وظيفة المسجد.

وحدة المنابر.. تعدد المذاهب

نص التعميم على عدم تدريس فروع العقيدة في الدروس العامة، وحصر التعليم في المسائل المتفق عليها بين مدارس أهل السنة الثلاثة: الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث. وأوضح السقا أن المقصود بفروع العقيدة هو المسائل الجدلية النظرية التي لا يحتاجها العامي، وأن الأصل في تدريس العقيدة هو تعليم أثر الإيمان في السلوك. وأكد أن التعميم يشمل مساجد أهل السنة بمذاهبهم المختلفة، بينما يدرس الشيعة مناهجهم الخاصة في مساجدهم، وأن الهدف هو الحفاظ على وحدة الخطاب الديني في سوريا.

ختم السقا حديثه بالتأكيد على أن التعميم يشمل مساجد أهل السنة بمذاهبهم المختلفة، بينما يدرس الشيعة مناهجهم الخاصة في مساجدهم (فقهًا وعقيدة). وأشار إلى أن الهدف الأسمى من كل هذه التعليمات هو الحفاظ على وحدة الخطاب الديني في سوريا، ومنع تحوله إلى ساحة تنازع مذهبي أو سياسي، فـ"عندما نحافظ على هدوء المنبر، نحميه من أن يكون ساحة صراع، ونضمن أن يبقى المسجد منارة للهداية لا منبرًا للجدال والمهاترات".

رؤية الأوقاف تتضح

يظهر من تصريحات الشيخ رامي السقا ومضمون التعميم أن وزارة الأوقاف تسعى لإعادة ضبط الخطاب الديني بما ينسجم مع مرحلة ما بعد الحرب في سوريا، عبر تقليص مساحة الجدل وتعزيز دور المسجد في ترميم النسيج الاجتماعي. وهكذا يتقاطع حديث السقا مع روح التعميم في نقطة جوهرية وهي أن الهدف ليس إسكات الخطباء، بل تحصين الخطاب الديني من التسييس والتنازع، ليبقى المسجد فضاء يجمع ولا يفرق.

الأوقاف تدعو للالتزام بالخطاب الديني المعتدل

وكانت وزارة الأوقاف أصدرت تعميمًا على خطباء المساجد، في 25 من أيار الماضي، تدعو فيه إلى الخطاب الديني "الإيجابي المعتدل". وقالت الأوقاف في تعميمها، إنه نظرًا لما تمثله منابر المساجد من دور مهم في المجتمع، فإن الوزارة تهيب بخطباء المنابر الحرص على الالتزام بمنهج الوسطية الإسلامية، والفكر المعتدل المتوازن، من غير إفراط أو تفريط.

ودعت إلى الالتزام بالخطاب "الإيجابي المعبأ بالحكمة البعيدة عن التعصب والتحزب، وتحييد المنبر عن الطعن في الكيانات أو الأشخاص". كما طالبت الأوقاف بضرورة الالتزام بالضوابط العلمية، ومراعاة فقه التثبت من المعلومات والحقائق من مصادرها الموثوقة، والتركيز على الخطاب الجامع الذي يوحد الكلمة ويؤلف القلوب، ويعزز التعايش والسلم الأهلي.

التعميم طالب خطباء المساجد بضرورة الطرح المناسب للواقع والذي يحاكي احتياجات المجتمع، والتقيد بالزمن المحدد للخطبة (30 دقيقة كحد أقصى)، والابتعاد عن الإطالة والتشتيت، وشددت الأوقاف في ختام تعميمها على الالتزام بالمذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، والمذاهب العقدية الثلاثة (الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث).

الرئاسة والأوقاف.. الخطاب الديني الوسطي

وكان الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ناقش مع وزير الأوقاف، محمد أبو الخير شكري، أهمية تعزيز "الخطاب الديني الوسطي" وترسيخ قيم التسامح والانتماء الوطني في سوريا. وقالت الرئاسة السورية، مطلع أيار الماضي، إن الشرع أكد "الدور المحوري للمؤسسات الدينية في تعزيز الوحدة المجتمعية، وضرورة مواكبة الخطاب الديني للتحديات المعاصرة".

وأشارت إلى أن شكري استعرض خطط وزارة الأوقاف، وجهودها في إعداد الأئمة وتطوير مناهج الخطاب الديني. وفي آذار الماضي، أصدر الرئيس الشرع قرارًا بتشكيل مجلس الإفتاء الأعلى، بناء على الصلاحيات الممنوحة، ورغبة في تنظيم الفتوى ومؤسسات الإفتاء، وبما يحقق المصالح العليا.

وتضمن القرار تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى برئاسة الشيخ أسامة الرفاعي، وعضوية كل من محمد راتب النابلسي، ومحمد أبو الخير شكري، ومحمد نعيم عرقسوسي، وعبد الفتاح البزم، وخير الله طالب، وعبد الرحيم عطون، ومظهر الويس، وأنس عيروط، وأنس الموسى، وإبراهيم شاشو، وإبراهيم الحسون، وعلاء الدين قصير، ومحمد وهبي سليمان، وسهل جنيد.

مشاركة المقال: