لا تزال العوائق الميدانية، وعلى رأسها استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وعدم تمكن حركة «حماس» من العثور على كامل جثث الأسرى الإسرائيليين وتسليمها، تمثل حجر عثرة أمام الانتقال إلى المرحلة الثانية من «خطة ترامب» لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى.
تعتبر هذه المرحلة الأكثر حساسية وتعقيداً في الاتفاق، وتشكل بنودها محور تجاذب حاد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحتى بين الوسطاء. طبيعة الخطة الأميركية، التي تربط تنفيذ كل مرحلة بتحقيق متطلبات المرحلة التي سبقتها، تجعل التأخير في أي بندٍ تأخيراً في تنفيذ الاتفاق ككل.
على سبيل المثال، ينص الاتفاق على انسحاب إسرائيلي شبه كامل من قطاع غزة في المرحلة الثانية، باستثناء شريط حدودي ضيق، لكن هذا الانسحاب مشروط بانتشار «القوة الدولية» داخل القطاع. وبالتالي، فإن تأخر التوافق على هذه القوة يعطل الانسحاب ويجمد تطبيق الاتفاق.
بالعودة إلى مسألة الجثامين، أفادت «هيئة البث الإسرائيلية» بأن التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية تشير إلى أن «حماس قادرة على تسليم رفات عشرة من أصل ثلاثة عشر أسيراً إسرائيلياً فقط»، وأن «الحركة تستغل وقف إطلاق النار لإعادة بناء قدراتها في المناطق التي لا تزال تحت سيطرتها في القطاع، بما في ذلك إعادة تأهيل شبكة الأنفاق وتجنيد مقاتلين جدد».
في السياق نفسه، أفادت القناة بأن رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، قال لنائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، إن «الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة غير ممكن قبل استعادة كل جثث المختطفين»، فيما كشفت «القناة 12» أن فانس نقل إلى المسؤولين الإسرائيليين «تفاجؤه» بتصويت «الكنيست» على قرار ضم الضفة الغربية، والذي اعتبره مسؤول أميركي كبير «تطوراً خطيراً من شأنه زعزعة الجهود القائمة لتنفيذ الاتفاق». وأضافت القناة نقلاً عن مسؤول إسرائيلي أن «رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تلقى تحذيرات واضحة من تداعيات التصويت، لكنه تجاهلها ولم يتخذ خطوات لمنعه»، قبل أن يطمئن فانس إلى أن التصويت «مجرد خطوة تمهيدية لن تؤدي إلى أي نتيجة».
عُقد لقاء بين وفدي «حماس» و«فتح» في القاهرة.
في موازاة ذلك، نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن قيادة «سنتكوم» الأميركية أن «مركز التنسيق» الجديد الذي أقيم في جنوب الأراضي المحتلة، ضمن قاعدة عسكرية إسرائيلية، «يعد عنصراً أساسياً في مساعي تحقيق استقرار دائم في غزة». وأشارت القيادة إلى «وجود اهتمام واسع من دول عديدة بالانضمام إلى هذه الجهود»، مؤكدة أن «المركز يتجاوز كونه تحالفاً عسكرياً، ويشمل ترتيبات مدنية وأمنية، في ظل هشاشة الوضع داخل القطاع بعد عامين من الصراع المتواصل».
وربطاً بتلك المساعي أيضاً، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل بضرورة إطلاعها المسبق على أي عملية عسكرية استثنائية في غزة، محذرة من أن «أي خطوة مفاجئة قد تهدد مسار الاتفاق». ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن «واشنطن تمارس ضغوطاً متزايدة على تل أبيب، وتنتزع منها بعض صلاحياتها الأمنية الميدانية»، فيما نقل مراسل موقع «أكسيوس»، باراك رافيد، عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله إن «نتنياهو يسير على حبل رفيع جداً مع الرئيس ترامب، وإذا استمر على هذا النحو فسينتهي به المطاف إلى إفشال الاتفاق». وأضاف: «إذا أفشل نتنياهو الاتفاق، فإن ترامب سيفشله هو».
أما في القاهرة، فيسجل حراك مكثف لترتيب البيت الفلسطيني، والتوصل إلى رؤية موحدة بخصوص مرحلة ما بعد الحرب. وعقد رئيس «المخابرات العامة» المصرية، اللواء حسن رشاد، سلسلة لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين بارزين، من ضمنهم نائب رئيس السلطة الفلسطينية حسين الشيخ، برفقة رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، كما التقى بالأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد النخالة ونائبه محمد الهندي، وأمناء عامين لفصائل عدة، أبرزها «الجبهة الديمقراطية» و«المبادرة الوطنية» و«الجبهة الشعبية – القيادة العامة».
وبعدما عقد أول أمس لقاء بين رشاد ووفد من حركة «حماس» برئاسة خليل الحية، أعقبه اجتماع مع وفد السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» أمس، تم عقد اجتماع ثلاثي بين مسؤولي المخابرات المصرية ووفدي «حماس» و«فتح». وبحسب مصادر مصرية تحدثت إلى «الأخبار»، فإن جهاز «المخابرات العامة» أعد تصورات بهدف «التوصل إلى مخرجات تنفيذية محددة مدعومة بجداول زمنية، بما يسمح بالبناء عليها، سواء نحو إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، أو صياغة شكل السلطة المقبلة».
وأكدت المصادر أن مصر تسعى إلى رعاية تفاهمات تفرض «التزامات متبادلة» على كل من «فتح» و«حماس»، ويتم دعمها من أطراف عربية وازنة، خصوصاً من دول الخليج. كما تسعى القاهرة إلى بلورة صيغة تضمن شراكة حقيقية في السلطة والإدارة، قائمة على مبدأ المحاصصة، إلى حين التمكن من إجراء الانتخابات، وهو استحقاق يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.
وضمن هذه الصيغة، يتم العمل على إدخال شخصيات وكيانات غير محسوبة مباشرة على «حماس»، لتكون مقبولة دولياً وتحظى بشرعية تمكنها من الاضطلاع بأدوار إدارية في مرحلة ما بعد الحرب. وبحسب مصادر مصرية مطلعة، تأمل القاهرة التوصل إلى توافق واضح بين «فتح» و«حماس»، قبل الإعلان عن موعد مؤتمر «إعادة الإعمار» المزمع عقده في القاهرة الشهر المقبل.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار