تكتسب مشاركة الرئيس أحمد الشرع في النسخة التاسعة من مبادرة مستقبل الاستثمار (FII)، التي تستضيفها السعودية، أهمية استثنائية على المستويين السياسي والاقتصادي. وتمثل هذه المشاركة إعلاناً عملياً لعودة سوريا إلى الحضور الفاعل في المنصات الإقليمية والدولية المعنية برسم ملامح الاقتصاد العالمي الجديد.
بعد أكثر من عقد من التحديات، تدخل سوريا مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر، متجهة بثقة نحو الإعمار والتنمية المستدامة والتحول الرقمي. وتؤكد مشاركة الرئيس الشرع، بدعوة من القيادة السعودية، أن الصفحة الاقتصادية السورية تُكتب اليوم برؤية جديدة، تتجاوز منطق التعافي إلى بناء مستقبل قائم على الشراكة والانفتاح والإبداع.
تُعد مبادرة مستقبل الاستثمار، التي تُعرف بأنها منصة عالمية تجمع قادة الحكومات ورؤساء الشركات وصنّاع القرار، فرصة استراتيجية لسوريا لتقديم نفسها مجدداً كوجهة واعدة للاستثمار ومركزٍ للإنتاج والإبداع الإقليمي.
وعلى هامش المؤتمر، من المقرر أن يعقد الرئيس الشرع اجتماعاً رفيع المستوى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لبحث سبل التعاون الاقتصادي والتنموي بين دمشق والرياض، في إطار رؤية عربية موحدة تقوم على المصير المشترك وتعزيز التكامل الإقليمي. ويُتوقع أن يسفر هذا اللقاء عن انطلاق مرحلة جديدة من العلاقات السورية- السعودية، قوامها العمل المشترك من أجل الاستقرار والنمو في المنطقة.
يرى مراقبون أن مشاركة دمشق في هذه المبادرة ليست رمزية فحسب، بل تعبّر عن ثقة متزايدة من المجتمع الدولي بالاقتصاد السوري، الذي بدأ يستعيد حيويته عبر إصلاحات حكومية جذرية تهدف إلى تحسين بيئة الاستثمار وتسهيل إجراءات تأسيس المشاريع وتشجيع القطاع الخاص. وسيلقي الرئيس الشرع كلمة على منصة المؤتمر، يطرح فيها ملامح رؤية سوريا المستقبلية للإعمار والتحول الرقمي والطاقة المتجددة وتنمية رأس المال البشري، بما يتماشى مع الأجندة العالمية للتنمية المستدامة.
تُشير مصادر اقتصادية إلى أن الوفد السوري، الذي يضم عدداً من الوزراء والمسؤولين والخبراء، سيجري لقاءات مكثفة مع كبريات الشركات العالمية والمؤسسات المالية لاستكشاف فرص الشراكة في قطاعات البنية التحتية، الطاقة، الإسكان، الصحة، والتكنولوجيا. وتأتي هذه الجهود ضمن خطة وطنية تهدف إلى تحريك عجلة الإعمار عبر استثمارات نوعية تعيد بناء المدن والمجتمعات السورية وفق معايير حديثة ومستدامة.
حضور سوريا في هذا المحفل العالمي يحمل دلالات رمزية عميقة، إذ يعكس انتقال البلاد من مرحلة الصراع إلى مرحلة البناء والانفتاح والابتكار. فدمشق، التي كانت يوماً محوراً حضارياً واقتصادياً في المنطقة، تستعيد اليوم موقعها كشريك فاعل في مسيرة التنمية الإقليمية والدولية.
ختاماً، فإن مشاركة الرئيس الشرع في مبادرة مستقبل الاستثمار 2025 تجسد نقطة تحول في موقع سوريا من المتلقي إلى الشريك، ومن العزلة إلى الاندماج البنّاء في الاقتصاد العالمي، كما أنها لحظة رمزية تؤكد أن سوريا الجديدة تمضي قدماً نحو مستقبلٍ يصنعه أبناؤها، ويشارك العالم في بنائه معها.