في عرض مسرحي مؤثر، تجسد فرقة "العرّاب للفنون المسرحية" من خلال عملها "القارب 22"، صورة إنسانية واجتماعية عميقة لتجربة جيل كامل من الشباب السوري الذي تأثر بالثورة السورية. المسرحية تسلط الضوء على أولئك الذين دفعتهم الظروف إلى الهجرة أو الضياع بين الأمل واليأس.
المسرحية، التي عُرضت على خشبة المركز الثقافي العربي في طرطوس في 19 تشرين الأول، هي من تأليف وإخراج عصام علام، مؤسس فرقة "العرّاب" وعضو نقابة الفنانين. شارك في الأداء سبعة ممثلين وعازف موسيقي، ورافقت العرض مجموعة من الأغاني التي لحنها وغناها فنانون من سوريا والعراق، مما أضفى "بعدًا وجدانيًا" قرّب العمل من الجمهور وكشف عن طاقات الشباب المشاركين.
صراع البقاء والرحيل
تدور أحداث العرض حول مجموعة من الشباب السوريين الذين اضطروا للهجرة بحرًا بحثًا عن الأمان. في لحظة انتظارهم للقارب، يتوقف الزمن وتدخل الشخصيات في فضاء مسرحي عبثي، حيث تتقاطع أصواتهم وأفكارهم لتكشف عن جراح دفينة وحنين متناقض بين الرحيل والبقاء. تتداخل في "القارب 22" مشاهد واقعية ورمزية، تعبر عن القلق الوجودي الذي يعيشه الشباب السوري. ومع وصول القارب في المشهد الأخير، تنقسم الشخصيات بين من يقرر الرحيل ومن يختار البقاء، تاركة النهاية مفتوحة لتأويلات الحياة والمصير.
جيل مثقل بالأسئلة
الممثلة ماريا شندح جسدت دور فتاة تضطر لمغادرة البلاد بسبب الحرب، لتعيش حالة من التيه وفقدان الرغبة في الاستمرار قبل اتخاذ قرار الرحيل. بينما قدم محمود جمعة الأحمد شخصية شاب موسيقي يبحث عن الحرية من خلال موسيقاه، ويتردد في لحظة المغادرة، ليختار البقاء متمسكًا بوطنه وذكرياته. تظهر أيضًا شخصية رمزية أخرى، جسدت شريحة من السوريات المثقفات اللواتي دفعتهن الخيبات إلى الهجرة، وقدمت خلال العرض أغاني نقلت المشاعر الداخلية للشخصيات بين الأمل والانكسار، وقامت الممثلة ابتهاج علي بتجسيد الدور.
تجربة فنية لتفريغ الألم
المخرج عصام علام أوضح أن العمل "يعالج موضوع صراع البقاء والتمسك بالوطن رغم التعب والخذلان"، مضيفًا أن المسرحية "ليست حكاية هجرة فحسب، بل تأمل في معنى الوطن والانتماء بعد كل ما مرّ به السوريون من تجارب قاسية". ويرى أن المسرحية "شكل من أشكال التطهير الذاتي"، إذ تحاول عبر الفن تفريغ الألم وإعادة التفكير في مفاهيم الوطن والانتماء، مؤكدًا أن "القارب 22" ليس عملًا ترفيهيًا، بل تجربة وجدانية تسعى إلى إعادة طرح الأسئلة الكبرى التي يواجهها هذا الجيل.
جمهور يتفاعل وأمل لا يغرق
حظي العرض بتفاعل جماهيري كبير، حيث امتلأ مسرح المركز الثقافي العربي في طرطوس بالحضور الذي تابع بشغف أداء الممثلين ورسائل العمل، في تأكيد جديد على حضور المسرح السوري وقدرته على تجديد نفسه رغم التحديات. انطلقت مسرحية "القارب 22" في 5 آذار 2024، وجابت عدة مدن سورية، من دمشق إلى اللاذقية وبانياس والقدموس والدريكيش وصولًا إلى طرطوس، لتواصل فرقة "العرّاب" رحلتها الفنية متبنية "نقل قصص الناس وهمومهم إلى الخشبة".