سوريا ما بعد الأسد: كيف نبني جيشًا وطنيًا لا طائفيًا؟


هذا الخبر بعنوان "ما بعد الأسد.. كيف تبني سوريا جيشًا يخدم الوطن لا الطائفة؟" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يشهد سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024 بداية مرحلة تحول تاريخي في سوريا، تستلزم إعادة بناء شاملة لمؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية. فالجيش السوري السابق، الذي عانى من انقسامات عميقة وولاءات طائفية وسياسية، لم يعد قادرًا على تلبية متطلبات الأمن الوطني والحفاظ على سيادة الدولة. لذا، تبرز الحاجة الملحة لإعادة هيكلة جذرية تهدف إلى تشكيل جيش سوري جديد يكون وطنيًا بحق، محترفًا ومستقلًا عن أي توجهات طائفية أو سياسية.
تعتبر عملية إعادة الهيكلة هذه معقدة ومتعددة الأوجه، وتتطلب نهجًا استراتيجيًا يجمع بين الإصلاحات الإدارية والعسكرية والاجتماعية. والهدف الأسمى هو بناء جيش يمثل جميع مكونات الشعب السوري، ويعمل على حماية الوطن والمواطنين، ويستعيد ثقة السوريين به كمؤسسة وطنية عليا.
تعتمد عملية إعادة هيكلة الجيش السوري الجديد على مجموعة من الركائز الأساسية التي تضمن بناء مؤسسة عسكرية قوية ومستقرة وذات ولاء وطني خالص، وتتضمن هذه الركائز جوانب إدارية وتشغيلية وتدريبية وهي:
تتضمن عملية إعادة الهيكلة برنامجًا متعدد المراحل يواجه تحديات كبيرة تتطلب إرادة سياسية قوية ودعمًا مستمرًا.
المرحلة الأولى (0-6 أشهر): التركيز على حل الجيش القديم وتشكيل لجنة انتقالية للتسوية، والبدء في دمج الفصائل الرئيسية وتقديم تدريب أولي لـ 50 ألف متطوع، وإنشاء وزارة دفاع جديدة تركز على الشفافية والمساءلة.
المرحلة الثانية (6-18 شهرًا): صياغة العقيدة العسكرية الوطنية وتوسيع التدريب القتالي ليشمل بعض الدول المتقدمة في هذا المجال، ومعالجة قضايا المقاتلين السابقين عبر لجان خاصة، وإطلاق حملات توعية لتعزيز صورة الجيش كمؤسسة وطنية حامية للمواطنين.
المرحلة الثالثة (18 شهرًا فما فوق): الوصول إلى القوة الكاملة للجيش مع تكامل كامل للقطاع الأمني، مع الأخذ بيعين الاعتبار أنه سيتم فرض مراقبة دولية لضمان الالتزام بالمعايير الديمقراطية وتقييم دوري للكفاءة.
على الرغم من الجهود المبذولة، تواجه عملية إعادة الهيكلة تحديات جسيمة:
أ- صعوبة دمج الفصائل المسلحة: تباين الولاءات والمصالح بين الفصائل المختلفة يشكل عائقًا كبيرًا أمام دمجها في هيكل موحد.
ب- الضغط الخارجي والإقليمي: بعض الدول قد تعترض على تسليح الجيش الجديد أو تحاول التأثير على تركيبته.
ت- تغيير الثقافة العسكرية: التحول من ثقافة عسكرية قائمة على الولاءات الشخصية والطائفية إلى ثقافة مهنية وطنية يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين.
ث- بناء ثقة السوريين: استعادة ثقة الشعب في المؤسسة العسكرية كحامية للدولة وليس أداة للسلطة هو تحدٍ أساسي.
ج- نقص الموارد البشرية والعتاد: الحاجة إلى تجنيد وتدريب أعداد كبيرة من المقاتلين وتوفير المعدات اللازمة.
لا يمكن لعملية إعادة هيكلة الجيش السوري وبلورة عقيدة قتالية وطنية جديدة أن تنجح بمعزل عن الدعم الدولي الموجه.
– دعم وتدريب وتحالفات دولية: تلعب الاتفاقيات مع الدول الصديقة دورًا محوريًا في عملية إعادة البناء. على سبيل المثال، وقعت تركيا مذكرة تفاهم مع وزارة الدفاع السورية لتقديم برامج تدريبية ودعم تقني واستشارات. هذا التعاون يساهم في بناء القدرات الدفاعية السورية وتعزيز الاحترافية في الجيش الجديد.
– الاستفادة من الخبرات الدولية: يجب أن تسعى سوريا للاستفادة من تجارب دول أخرى في إعادة بناء جيوشها بعد فترات صراع أو انهيار. ويمكن أن توفر تجارب دول مثل رواندا في إعادة بناء جيش قوي بعد الإبادة الجماعية هناك أو تجربة الصومال في دمج الفصائل المتنافسة دروسًا قيمة لسوريا. وهذا يتضمن التعاون في مجالات التدريب والاستشارات اللوجستية وتوفير المعدات العسكرية الحديثة.
تتأثر عملية إعادة هيكلة الجيش السوري وتؤثر في الديناميكيات الإقليمية والدولية، فالدعم من الدول المجاورة والحلفاء الدوليين أمر حيوي لنجاح هذه العملية، وكذلك التعامل مع القوى التي قد تسعى لعرقلتها.
بناء جيش سوري وطني ومحترف يمكن أن يسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة، فالجيش القوي والموحد القادر على حماية الحدود ومواجهة التهديدات الإرهابية سيقلل من التدخلات الخارجية ويسهم في الأمن الإقليمي، وعلى النقيض فإن فشل هذه العملية قد يؤدي إلى استمرار الفوضى وتفاقم الصراعات.
إن إعادة هيكلة الجيش السوري بعد سقوط نظام الأسد تمثل تحديًا تاريخيًا وفرصة سانحة لبناء مؤسسة عسكرية حديثة ووطنية بالتركيز على الاحترافية وإلغاء التجنيد الإجباري ودمج الفصائل وتطوير عقيدة قتالية جامعة. ويمكن لسوريا أن تبني جيشًا قويًا وموثوقًا به، على الرغم من التحديات الهائلة، فالإرادة السياسية والدعم الدولي مع التزام داخلي قوي يمكن أن يمهدا الطريق لجيش يحمي السيادة الوطنية ويسهم في استقرار سوريا والمنطقة على المدى الطويل.
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا