الثلاثاء, 28 أكتوبر 2025 04:45 PM

المجدل في السويداء: محاولات يائسة لاستعادة الحياة بعد شهور من العنف والدمار

المجدل في السويداء: محاولات يائسة لاستعادة الحياة بعد شهور من العنف والدمار

هارون عربيد – السويداء

بعد حوالي ثلاثة أشهر من الأحداث العنيفة التي شهدتها السويداء، تحاول بلدة المجدل الواقعة في ريفها الغربي استعادة الحياة تدريجياً، على الرغم من أن حجم الدمار والعنف يعيق عودة الخدمات إلى سابق عهدها. يواجه سكان المجدل ظروفاً معيشية قاسية ونقصاً حاداً في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات، إلا أنهم يحاولون التأقلم مع هذا الواقع المرير.

منازل محروقة ونقص حاد في الخدمات

أنس حسام السلمان، أحد سكان المجدل، يصف الوضع بعد الهجوم في حديث لـنورث برس قائلاً: "تعرضنا لهجوم في 17 تموز/يوليو، واضطررنا إلى مغادرة البلدة لمدة يومين بسبب شدة القصف. عندما عدنا، وجدنا أكثر من نصف المنازل محروقة. منزلي يقع عند مدخل البلدة، ولا أستطيع الوصول إليه حالياً بسبب استمرار إطلاق النار وخرق الهدنة. أعيش منذ أكثر من شهرين في منزل جدي، ولن أغادر بلدي مهما حدث".

اندلعت أحداث العنف في السويداء في منتصف تموز/يوليو الماضي، عندما حاول الجيش السوري في البداية السيطرة على المحافظة الجنوبية، قبل أن ينسحب لاحقاً ويكمل الأمن العام مهمة السيطرة على السويداء. ومع ذلك، استمر الوضع على حاله بسبب الضربات الإسرائيلية التي طالت حتى العاصمة دمشق، ورد الفصائل المحلية في السويداء، وظلت المحافظة خارج سيطرة دمشق.

خلال تلك الفترة، تعرض سكان السويداء، الذين ينتمي معظمهم إلى الطائفة الدرزية، لانتهاكات عديدة. وأعلنت الحكومة السورية عن تشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات، بينما وصف وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الأحداث في السويداء بأنها "فخ".

ويشير السلمان إلى أن الوضع الخدمي "مأساوي"، موضحاً أن بلدة المجدل كانت تضم حوالي 40 محلاً تجارياً وأربع صيدليات، "لكن اليوم لا يوجد سوى محل واحد، ولا توجد كهرباء بسبب تدمير المحولات، مما أدى إلى تأخير عودة السكان. المياه مقطوعة، والخبز لا يتوفر إلا كل ثلاثة أيام، والاتصالات شبه معدومة".

"خروقات يومية"

الشيخ داوود هنيدي، وهو أيضاً من سكان المجدل، يصف الهجوم الذي تعرضت له البلدة بأنه "همجي" ونُفّذ من قبل "الأمن العام ومجموعات من العشائر"، مشيراً إلى أن المهاجمين "ارتكبوا جرائم من قتل وسلب وحرق وتهجير".

وأضاف هنيدي لـنورث برس: "بقي عدد قليل من السكان، ثم بدأ الناس بالعودة تدريجياً، لكن الخدمات كانت معدومة تماماً. منزلي يقع بين المزرعة والجامعة والمجدل. الكهرباء بالكاد تصلنا، والعمال يحاولون إصلاحها بجهود بسيطة. نعتمد على بئر واحد يعمل بالطاقة الشمسية لتأمين المياه، بينما الخبز لا يتوفر بشكل منتظم، والمساعدات الإنسانية شبه معدومة، والهلال الأحمر لم يقدّم سوى دعم بسيط جداً".

ورغم الواقع الصعب، يدعو هنيدي السكان إلى العودة "لأنه لا بديل لنا عن بلدنا".

بدوره، يقول ناصر العاقل، وهو من أبناء البلدة، إن الفرن المحلي "عاد إلى العمل بشكل متقطع"، موضحاً أن السكان "يؤمّنون حاجاتهم الأساسية من المحل الوحيد الموجود كل يومين أو ثلاثة أيام"، ويختتم قائلاً لـنورث برس: "الوضع المعيشي صعب جداً، لكننا باقون هنا".

دعوات لإعادة التأهيل

من جهته، يشير باسل عريج، وهو من سكان البلدة، إلى أن انعدام المواد داخل البلدة يدفع السكان إلى التوجه يومياً إلى مدينة السويداء لتأمين احتياجاتهم. ويعتبر عريج أن الأولوية اليوم هي لإعادة تأهيل المدرسة الابتدائية في البلدة، مشيراً إلى وجود أكثر من 116 طالباً فيها: "ذهاب الأطفال إلى مدارس خارج البلدة يكلّف العائلة نحو 20 ألف ليرة يومياً كأجرة مواصلات، وهو عبء كبير على ذوي التلاميذ".

وإلى جانب اللجنة الحكومية للتحقيق، هناك أيضاً "اللجنة القانونية العليا" التي شكلتها الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في السويداء لإدارة شؤون المحافظة، بما في ذلك الجوانب الخدمية والقانونية والأمنية.

ومع ضبابية المشهد حيال العلاقة بين دمشق والسويداء، ومصير مرتكبي الانتهاكات وآليات تعويض الضحايا، يبقى الواقع المعيشي في المحافظة الجنوبية صعباً، فيما تظل إعادة الخدمات وتأهيل البنية التحتية أولوية ملحّة لأي تدخل قادم.

ويأمل السكان أن تشهد المرحلة المقبلة تحركاً جدياً لإعادة الخدمات وتأهيل البنية التحتية في بلداتهم، ليتمكنوا أخيراً من استعادة حياتهم الطبيعية بعد شهور من العنف والدمار.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: