تشهد مدينة دير الزور ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الكلاب الشاردة، مما أدى إلى تفاقم المشكلات البيئية والصحية والمجتمعية التي تهدد استقرار السكان المحليين. لم تعد هذه الظاهرة مجرد إزعاج عابر، بل تحولت إلى أزمة مستمرة تتفاقم يومًا بعد يوم، خاصة في ظل ضعف إدارة النفايات وغياب الخدمات الفعالة من المجالس المحلية (البلديات).
أثر انتشار الكلاب الشاردة بشكل كبير على سلامة الأهالي وحرية التنقل، ويعزى ذلك إلى ضعف أداء المجالس المحلية وعدم معالجة المشكلة بشكل فعال.
روايات سكان المدينة
يقول طارق العبد الله، أحد سكان مدينة دير الزور، لعنب بلدي: "تجول الكلاب في مجموعات كبيرة ليلًا ونهارًا أجبرنا على فرض حظر تجول غير رسمي على أطفالنا". وأضاف أن الأعداد الكبيرة للكلاب في الأحياء السكنية تؤكد فشل الجهود السابقة للسيطرة عليها، وأن خطر التعرض للعض أو نقل العدوى يقيد الحياة اليومية ويسبب ضغطًا نفسيًا مستمرًا.
وأشارت خديجة الخضر، معلمة في إحدى المدارس، لعنب بلدي إلى أن المشكلة تبدأ من نقاط تجميع القمامة المفتوحة والعشوائية، التي توفر مصدر غذاء للكلاب الضالة وتجعل الأحياء مكانًا لتكاثرها. وأكدت على ضرورة البدء بمعالجة مشكلة النفايات أولًا، معتبرة الإهمال البلدي السبب الرئيسي في انتشار الكلاب، وأن انتشار الكلاب في الشوارع يؤدي إلى غياب الأمن.
من جانبه، رفض المكتب الإعلامي لمجلس البلدية التعليق، معتبرًا أن الأمر لا يقع ضمن اختصاص البلدية.
خطر صحي "قاتل"
يمثل الجانب الصحي أخطر جوانب الأزمة، حيث يزيد التزايد غير المنضبط في أعداد الكلاب من احتمالية تفشي الأمراض الحيوانية المشتركة (Zoonotic Diseases)، وأخطرها داء الكلب.
أكد الطبيب العام في دير الزور، رامي السعد، لعنب بلدي أن دير الزور تواجه وضعًا صحيًا بالغ الحساسية، بسبب هشاشة النظام الصحي ونقص الموارد وارتفاع حوادث عض الكلاب، مما يشكل خطرًا مميتًا. وأوضح أن داء الكلب مرض قاتل بنسبة 100% إذا لم يتم التعامل مع المريض فورًا ببروتوكول ما بعد التعرض (Post-Exposure Prophylaxis)، الذي يتطلب توفر اللقاحات والمصل المضاد. وأضاف أن النقص في هذه الموارد أو التأخر في وصول المصاب إلى المركز الطبي يعني حكمًا بالإعدام على المصاب.
وأشار إلى أن العديد من المراكز الصحية في الريف تفتقر إلى العلاج، مما يضطر الأهالي إلى قطع مسافات طويلة وشراء العلاج بأسعار باهظة، وأن الكثير من الأهالي غير قادرين على شراء العلاج بسبب تردي الوضع الاقتصادي. وأوضح أن غياب برامج التعقيم والتطعيم المنظمة للحيوانات الضالة يحولها إلى خزانات متنقلة للفيروس، مما يضع عبئًا غير محتمل على المرافق الصحية.
دعوة لحملات توعية
أوضح حسام العبد الله، الممرض في أحد المراكز الصحية بريف دير الزور، لعنب بلدي أن التركيز يجب أن ينصب على إدارة المخاطر وتثقيف المجتمع. وأكد على حاجة المنطقة إلى حملات توعية مكثفة، خاصة في المناطق الأكثر فقرًا، لتعليم الأهالي الإسعافات الأولية لعضة الكلب، كالتنظيف الفوري للجرح بالماء والصابون، الذي يعتبر خط الدفاع الأول. وشدد على ضرورة وجود سلسلة إمداد مستمرة وفعالة للقاحات داء الكلب من وزارة الصحة.
وأشار إلى أن مشكلة الكلاب الشاردة في هذه المناطق هي انعكاس مباشر لسوء إدارة البيئة، حيث تُجبر الكلاب على البحث عن الطعام في الأحياء السكنية، مما يزيد من فرص الاحتكاك ونقل العدوى.
أجاب المكتب الإعلامي لمديرية الصحة في دير الزور برد مقتضب لعنب بلدي بأن المديرية مسؤولة عن تقديم العلاج اللازم في حال وجود أي حالات عض أو داء الكلب.
وتحذر تقارير طبية من أن عضات الكلاب لا تقتصر مخاطرها على الفيروسات، بل قد تؤدي إلى التهابات بكتيرية حادة يمكن أن تتطور إلى تعفن دموي في حال لم يتلق المصاب مضادات حيوية بشكل فوري. ويؤدي داء الكلب إلى وفاة الإنسان إذا لم يعالج بسرعة، لأنه يصيب الجهاز العصبي المركزي ويتسبب بأعراض عصبية شديدة مثل التشنجات ورهاب الماء، وتنتهي غالبًا بالموت.
ويعاني سكان مدينة دير الزور من تراكم القمامة في معظم الأحياء وضواحيها، مما يؤدي لانتشار الروائح الكريهة والحشرات والقوارض والكلاب الشاردة حول أماكن تجمع النفايات. وتفاقمت هذه المشكلة بسبب قلة الآليات المتاحة لنقل القمامة وانتشار المكبات العشوائية في المنطقة، وأكد أهالٍ قابلتهم عنب بلدي أن الشكاوى حول هذا الأمر باتت معتادة دون استجابة.