الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 01:55 AM

إنجاز تاريخي في إسطنبول: فنان عراقي يخط أكبر مصحف في العالم بعد 6 سنوات من العمل

إنجاز تاريخي في إسطنبول: فنان عراقي يخط أكبر مصحف في العالم بعد 6 سنوات من العمل

في إنجاز يُعد بصمة فريدة في تاريخ الخط العربي، تمكن الفنان العراقي علي زمان من إعداد أكبر مصحف خطي في العالم، وذلك بعد ست سنوات من العمل المتواصل في مدينة إسطنبول التركية.

وكأن المقولة الشائعة "القرآن نزل في مكة، وقُرئ في مصر، وكُتب في إسطنبول" قد تحققت على أرض الواقع. وقد استخدم علي زمان، المقيم في تركيا منذ عام 2017، أدوات تقليدية لإنجاز هذا العمل الفريد من نوعه.

علي زمان، المولود في مدينة رانية بمحافظة السليمانية شمالي العراق عام 1971، عمل في صياغة الذهب قبل أن يتفرغ لفن الخط العربي الذي أسره منذ طفولته في عام 2013. ومع انتقاله إلى إسطنبول في عام 2017، قرر تكريس حياته لهذا الفن، فبدأ مشروعه الطموح بكتابة مصحف بخط اليد بأبعاد غير مسبوقة، حيث بلغ طول الصفحة 4 أمتار وعرضها 1.5 متر. وشمل المشروع كتابة الأجزاء الثلاثين للقرآن الكريم كاملة.

بدأ زمان الخطوات الأولى في المشروع عام 2020، بعد عام كامل من البحث والتصميم وجمع المواد اللازمة، وعرض فكرته على أستاذه بيجار أربيلي، الذي وافق على المشروع وشجعه على البدء به. ولم يستخدم الخطاط العراقي أي وسائل عصرية أو تقنيات حديثة، بل فضل كتابة المصحف يدويًا بخط الثلث، مستخدمًا القصب التقليدي وأدوات الخط الكلاسيكية.

كان زمان يعمل يوميًا بعد صلاة الفجر في غرفة صغيرة بباحة جامع مهرماه سلطان في منطقة الفاتح بإسطنبول، ويقضي معظم وقته أمام منضدة الكتابة، ولا يغادرها إلا لتناول الطعام أو أداء الصلاة. ورغم معاناته من مشكلات صحية أجبرته في أواخر عام 2023 على التوقف مؤقتًا، إلا أنه واصل العمل بإصرار حتى أتم مشروعه الضخم.

تحمل الفنان العراقي تكاليف المشروع كاملة من ماله الخاص، دون تمويل أو رعاية، مفضلًا أن يكون عمله نابعًا من إخلاص شخصي وروحي، وفق تعبيره.

وفي تصريحات للأناضول، قال زمان إن "العمل المميز يمنح الإنسان شعورًا بالسعادة، لأن إنجازه لا يقدر عليه إلا القليلون"، وأضاف: "هذا الإنجاز مصدر فخر كبير بالنسبة لي".

ويُعد زمان من أبرز الخطاطين المعاصرين، إذ نال جوائز عالمية في مسابقات أقيمت في سوريا عام 2007، وماليزيا عام 2014، والعراق عام 2015، وتركيا عام 2019، في مجالي خط الثلث والنسخ.

ويتميز الخط العربي بانسجامه ضمن عدة أنواع، منها خط الرقعة، والنسخ، والثلث، والكوفي، والديواني. وفي عام 2020، حصل زمان على إجازة بالخط العربي من أساتذة كبار، بينهم أحمد عبد الرحمن أربيلي، وبيجار كريم أربيلي. ونال في عام 2017 جائزة التقدير في مسابقة الحلية الشريفة الدولية، والتي تسلمها آنذاك من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويتألف المصحف من 30 صفحة ضخمة، تضم كل صفحة جزءًا كاملًا من القرآن الكريم، ليكون بذلك المصحف الأكبر من نوعه في العالم. وعن تحديات الإعداد، أكد زمان أن "المشروع واجه صعوبات كبيرة في مراحل التحضير، خاصة أثناء جائحة كورونا (بدأت في ديسمبر/ كانون الأول 2019) التي عطلت استيراد الورق الخاص بالمشروع". وأضاف: "واجهتنا صعوبات في إيجاد الورق المناسب داخل تركيا، كما لم يكن ممكنًا استيراده بسبب حالة الإغلاق خلال الجائحة، لكن والدي أصرّ على الاستمرار حتى تجاوزنا تلك التحديات".

بدوره، قال ريكار نجل الفنان العراقي للأناضول: "عمل والدي وحده طيلة 6 سنوات على هذا المشروع حتى اكتمل بنجاح". وأضاف: "عندما بدأنا نرى ردود الفعل والإعجاب، شعرنا بفخر كبير، لأن هذا العمل سيبقى في التاريخ". وعن سبب اختيار والده إسطنبول لإطلاق مشروعه، قال ريكار إن والده اختارها لكونها "مركزًا رائدًا لفن الخط العربي في العالم الإسلامي"، مشيرًا إلى أن "العراق لم يكن يوفر البيئة أو التقدير الكافي لمثل هذا العمل الفني الفريد".

وأوضح أن والده أجرى مقارنة دقيقة مع المصاحف الكبرى الأخرى في العالم، مبينًا أن أقربها حجمًا يبلغ طوله 2.28 مترًا وعرضه 1.5 مترًا، بينما يتجاوز المصحف الذي أنجزوه هذه الأبعاد. وفيما يتعلق بالمرحلة المستقبلية، قال ريكار إنهم يخططون "لحفظ المصحف في مكان آمن ومحكم لحمايته من التلف أو الحريق". وأعرب عن أمل العائلة "في أن يُعرض في تركيا بوصفه عملًا فنيًا فريدًا يحمل توقيع خطاط عراقي عاش في كنف الاهتمام التركي العريق بفن الخط العربي".

وختم حديثه بالقول: "نرغب أن يبقى هذا المصحف في تركيا، لأننا أنجزناه باسمها، وتقديرًا لما توليه من اهتمام لفن الخط العربي الذي ازدهر فيها منذ العهد العثماني، وسيكون فخرًا لنا أن يُضاف هذا العمل إلى أرشيف تركيا الفني والديني". وشهد فن الخط العربي تقدما كبيرا عبر التاريخ، حيث أخذ معظم الخطاطين الإلهام من كتابات القرآن الكريم، وأنجزوا بذلك كتابات رائعة لآيات منه، والأحاديث النبوية، والحكم والعبر الشهيرة.

الأناضول

مشاركة المقال: