الأحد, 9 نوفمبر 2025 01:05 AM

الشرع في واشنطن وموسكو: تحولات في السياسة السورية

الشرع في واشنطن وموسكو: تحولات في السياسة السورية

أثار الرئيس السوري أحمد الشرع دهشة المراقبين، فهو يمثل حالة فريدة. سواء من قبل مؤيديه أو معارضيه، يُنظر إليه على أنه شخصية إسلامية، أو إخوانية، أو داعشية، أو تطبيعية، أو تغريبية، أو تحديثية، أو حتى تركية!

بعد ظهوره في العاصمة عقب يوم واحد من اختفاء بشار الأسد وهربه خارج البلاد، كان الانطباع الأولي بأنه ليس سوى حاكم "إمارة إدلب"، وهو ما أثار المخاوف من مرحلة جديدة من العنف. لكن دمشق، بعد مرور الأيام والأشهر، لم تعد تشبه ما كانت عليه في عهد الأسد، ولا تشبه إدلب أيضاً.

تعد هذه الزيارة الثانية له إلى الولايات المتحدة في شهر واحد؛ الأولى كانت إلى الأمم المتحدة، والثانية بدعوة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب. لقد قطع مسافة سياسية طويلة منذ لقائه بالرئيس ترمب في الرياض بترتيب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل نحو ستة أشهر.

خلال الفترة الفاصلة، واجه تحديات اختبرت قدرته على الصمود والحفاظ على جبهته، في ظل تمرد فئات من الأقليات على نظامه، وخروج فئات من قواته عن أوامره، وعمليات تسلل مسلحة من وإلى لبنان، وتصريحات تهدده من إيران، وهجمات عسكرية إسرائيلية قضت تقريباً على البنية التحتية العسكرية السورية التي ورثها من النظام السابق.

دبلوماسياً، حاول الشرع تجنب الخوض في المشاكل، سواء في الخليج أو غزة أو لبنان. وعلى الصعيد الدولي، كانت زيارته لموسكو مهمة، باعتبارها الحليف الأول للنظام السابق لنصف قرن، والتي أصبحت اليوم منفى لبشار والقادة السابقين. وخلال الزيارة، تواجدا في المدينة نفسها لأول مرة منذ الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024.

دمشق الجديدة، من أي زاوية تراها، هي بالتأكيد براغماتية وسريعة الحركة، وتختلف كثيراً عن بشار الذي عُرف بعناده وجموده. لا ننسى أنه قبل فترة قصيرة من سقوطه، رفض مقابلة إردوغان، رئيس الدولة الشمالية الكبرى، قائلاً بتهكم: "لماذا ألتقي أنا وإردوغان؟ لنشرب المرطبات مثلاً!"

تُظهر زيارة الشرع للروس مهارات الحاكم الدمشقي الحالي، وكيف يدير سياسة بلا عداوات موروثة ولا خلافات مزمنة. لا شك أن الآراء انقسمت حوله وتغيرت معظم الانطباعات، ولكن ليست جميعها تتفق معه، وهذا أمر متوقع في إقليم الانقسامات فيه تدور على حد السيف.

حتى الآن، نرى الشرع سورياً وطنياً، وليس مؤدلجاً. يسعى لإنجاز مهام عدة دفعة واحدة، أبرزها توحيد البلاد المفككة منذ 2011، وبسط سيطرة الدولة، ورفع العقوبات الأميركية والدولية، وإصلاح الأنظمة والتشريعات التي تعيق التطوير الداخلي وتمنع الاستثمارات الخارجية، وربما إعادة ملايين السوريين اللاجئين في عدد من دول العالم وإعادة هؤلاء المهجرين إلى حياتهم القديمة قبل الحرب.

يمكن الحكم على سياسته الخارجية بأنه وُفّق في معظم محاولاته في استمالة دول المنطقة، والمنطقة نفسها مقتنعة بأهمية سوريا الجديدة. الخلاص من نظام الأسد يفوق في أهميته القضاء على "حزب الله". الدليل أن نظام دمشق السابق لو كان موجوداً اليوم لأصبح تأهيل الوكيل الإيراني وعودته لنشاطه فقط مجرد وقت، كما فعل بعد حرب 2006. إنما بسيطرة الشرع يصبح تأهيل "حزب الله" وإعادة بناء قوته مستبعداً، حيث قُطع وريد العلاقة، وسُدّت الطرق عليه مع العراق وإيران.

أما الملف الأكثر صعوبة فهو العلاقة مع الجار العدو. نستطيع أن نقول إن الشرع أدار العلاقة مع إسرائيل بشفافية وبراغماتية تحت عنوان خدمة مصالح سوريا أولاً، وليس إيران أو غيرها. سياسة الوضوح هذه صادرت من خصومه فرصة التشهير به والتحريض عليه. وكانت هناك مساع لإثارة الرأي العام السوري والعربي ضده وفشلت. المفاوضات مع إسرائيل عُقدت مباشرة والموضوعات صارت معلنة. خلال فترتي الأسد الأب ثم الابن كان هناك تاريخ طويل من العلاقة التنسيقية. الفارق في السياستين، أن النظام السابق كان يلعب لعبة خطرة، تأمين حدود إسرائيل من جهة، والعمل مع إيران ضدها. كانت المسألة مجرد وقت حتى تنفجر الأوضاع وتقضي إحدى القوتين الإقليميتين على النظام، وهذا ما حدث.

لا تزال هناك جبال من التحديات أمام القيادة السورية، وهذا ما يجعل رحلته لواشنطن حاسمة سواء في ضبط العلاقة المعقدة مع إسرائيل التي تعتبر حدودها الأمنية أبعد من الجولان. وكذلك إصلاح العلاقة مع المكونات السورية التي تتطلع لتكون ضمن النظام الجديد، وليس على هامشه مع التخلص من الجماعات المسلحة، التي لا يزال لديها برنامج سياسي محلي وإقليمي لا ينسجم مع سياسة دمشق المعلنة.

عبد الرحمن الراشد – الشرق الأوسط

مشاركة المقال: