الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 01:25 PM

الخليج بين النفط والطاقة الشمسية: هل يتحقق انتقال عادل نحو مستقبل مستدام؟

الخليج بين النفط والطاقة الشمسية: هل يتحقق انتقال عادل نحو مستقبل مستدام؟

تواجه دول الخليج تحديًا دقيقًا: كيف تتحول من دولة منتجة للنفط إلى رائدة في الاقتصاد الأخضر، دون الوقوع في فخ "الاستعمار المناخي" الذي حذر منه تقرير أوكسفام الأخير، والذي جاء تحت عنوان "انتقال غير عادل: استعادة مستقبل الطاقة من الاستعمار المناخي"؟

بين استثمارات تتجاوز 100 مليار دولار في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، وطموح لبناء مستقبل خالٍ من الكربون، يبرز سؤال أساسي: هل يمثل هذا التحول خطوة واقعية نحو التنمية المستدامة، أم أنه مجرد إعادة إنتاج لنظام اقتصادي غير متكافئ في صورة جديدة؟

يحذر تقرير أوكسفام من أن التحول الأخضر العالمي، على الرغم من أهميته البيئية والاقتصادية، قد يعيد إنتاج أنماط الاستغلال القديمة، حيث تُستنزف موارد الجنوب العالمي لتغذية انتقال "نظيف" في الشمال الصناعي. ويعيد هذا التحليل النظر في مفهوم العدالة المناخية، باعتبارها ليست مجرد تقليص للانبعاثات، بل إعادة توزيع للمنافع والفرص والمعرفة.

في هذا السياق، يبدو المشهد الخليجي بمثابة ساحة اختبار حقيقية لهذه العدالة، حيث تتقاطع الطموحات الاقتصادية مع ضرورات المناخ، وتتلاقى المصالح الاستراتيجية مع القيم البيئية في توازن بالغ الحساسية.

حتى منتصف عام 2025، بلغت القدرة المركبة لمشاريع الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 16.5 غيغاواط، مع وجود 13.5 غيغاواط إضافية قيد التنفيذ، وفقًا لكلية لندن للاقتصاد. وتهدف الخطط الخليجية مجتمعة إلى تجاوز 165 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2030، أي 10 أضعاف المستوى الحالي، بحسب مركز سياسات الطاقة في جامعة كولومبيا. كما تشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الاستثمارات الخليجية في الطاقة المتجددة تجاوزت 100 مليار دولار، في إطار مسعى لخفض الانبعاثات بنسبة 20% خلال السنوات الخمس المقبلة.

ولكن وراء هذه الأرقام تكمن معركة أخرى: من يملك التكنولوجيا؟ ومن يحصد القيمة المضافة؟ فمعظم الألواح الشمسية والبطاريات والتوربينات تُستورد من الخارج، مما يعني أن الحصة الكبرى من التصنيع والملكية الفكرية لا تزال في يد الشمال الصناعي. وبالتالي، يخشى بعض الخبراء من أن تتحول المنطقة إلى مجرد منصة إنتاج ضمن سلسلة توريد عالمية تكرس اختلالات السوق، وإن بملامح أحدث، وهو ما يعبر عنه تقرير أوكسفام بمصطلح "الاستعمار الأخضر".

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التقدم النوعي الذي تحققه دول الخليج في سياسات التحول المستدام. فالإمارات والسعودية وعُمان على وجه الخصوص بدأت بتوطين جزء من سلسلة القيمة، من خلال إنشاء مصانع للمكونات الشمسية ومشروعات للهيدروجين الأخضر، وتأسيس مراكز للبحث والتطوير. كما تتجه هذه الدول نحو دمج الطاقة المتجددة في قطاعات الصناعة والنقل، في محاولة لتحويل التحول من مجرد خيار بيئي إلى رافعة اقتصادية تساهم في تنويع الدخل وتعزيز الأمن الطاقوي على المدى البعيد.

لا يكمن التحدي الحقيقي اليوم في عدد الميغاواطات المنتجة، بل في نوعية النمو الذي يحققه هذا التحول. فالعدالة المناخية في السياق الخليجي يجب أن تعني تنمية شاملة تشرك المواطنين في الفائدة، وتخلق وظائف نوعية للشباب، وتضمن أن تكون التنمية قائمة على المعرفة والإنتاج المحلي. فالقوة في زمن المناخ لا تقاس بحجم الاحتياطيات النفطية، بل بقدرة الدول على تطوير التكنولوجيا وإدارة مواردها المستدامة بكفاءة واستقلالية، وعلى تحويل الاستدامة إلى ثقافة مجتمعية راسخة تمس حياة الناس.

من النفط إلى الشمس، تمضي دول الخليج في مسار استثنائي يحدد ملامح القرن المقبل. وإذا كان العالم يعيد تعريف القوة من خلال الطاقة، فإن العدالة ستكون معيار الريادة الحقيقي. فإما أن يصنع الخليج انتقالًا عادلاً يوازن بين البيئة والتنمية، أو يترك التاريخ يكرر نفسه بلون أخضر هذه المرة.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: