رسام محمد: يواجه محصول القمح في سهل الغاب تحديات جمة نتيجة لتسارع وتيرة التغيرات المناخية، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي ويضع المزارعين في مواجهة مخاطر انخفاض الإنتاجية وتدهور جودة الحبوب.
في هذا السياق، تتبنى الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب ومؤسسات البحث الزراعي استراتيجيات مبتكرة ترمي إلى حماية المحصول وضمان استمراريته، وذلك من خلال الاعتماد على الزراعة المستدامة، واستخدام أصناف مقاومة للجفاف والحرارة، وتطبيق أساليب ري حديثة. في المقابل، يدعو خبراء إلى إعادة النظر في أساليب الزراعة التقليدية، وتعزيز الابتكار الزراعي باعتباره خط الدفاع الأول عن الأمن الغذائي.
أكد المهندس عبد العزيز القاسم، مدير الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، في تصريح لصحيفة "الثورة"، أن وزارة الزراعة والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية تعملان على اختبار واعتماد أصناف جديدة من القمح الطري والقاسي.
وأوضح القاسم أن هذه الأصناف تتميز بقدرتها على مقاومة الجفاف والحرارة وتحمل الإجهادات المناخية، لا سيما في المناطق ذات الهطولات المطرية المنخفضة. وأضاف أن الخريطة الصنفية للقمح تُعدّل سنوياً بناءً على نتائج التجارب الحقلية، كما تقوم الهيئة بمتابعة الأصناف المزروعة لدى المزارعين لتقييم مدى ملاءمتها للظروف المناخية المتغيرة.
وأشار القاسم إلى أن الهيئة تلعب دوراً محورياً في نشر الممارسات الزراعية المستدامة، من خلال تنظيم ورش تدريبية ميدانية حول تقنيات الزراعة الحافظة وتقليل الحرث، إضافة إلى ندوات إرشادية حول طرق الزراعة الحديثة. كما يتم التوسع في الزراعة على مصاطب ضمن مشروعات الري الحكومي بهدف تحسين كفاءة استخدام المياه.
ولفت القاسم إلى أن الهيئة تشارك في تأمين مستلزمات الإنتاج، مثل البذار والأسمدة بالتعاون مع المصرف الزراعي التعاوني، لتوفير الدعم اللازم للمزارعين. كما أن التعاون مع المنظمات الدولية، مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، يسهم في تنفيذ مشروعات الزراعة الذكية مناخياً وتدريب المزارعين على أفضل الممارسات.
وأشار القاسم إلى أن التغير المناخي أثّر سلبياً على محصول القمح، ما أدى إلى انخفاض الإنتاجية، وتوجه بعض المزارعين نحو محاصيل بديلة أكثر تحملاً للظروف الجديدة، الأمر الذي يؤثر على تطبيق الدورة الزراعية المناسبة، ويهدد خصوبة التربة على المدى الطويل.
وأكد أن رؤية الهيئة المستقبلية ترتكز على تعزيز الزراعة المستدامة عبر تحسين إدارة الموارد المائية والتربة، وتمكين المزارعين من خلال التدريب المستمر، والتوسع في استخدام الأصناف المقاومة، لتحقيق زراعة ذكية مناخياً تضمن الأمن الغذائي.
حذر الخبير الزراعي المهندس موسى بكر، من خطر كبير يهدد زراعة القمح جراء التغير المناخي والجفاف، موضحاً أن الأمن الغذائي المتمثل في رغيف الخبز يواجه خطراً حقيقياً. وأوضح أن البلاد تشهد واقعاً مناخياً جديداً، يتطلب سياسات مبتكرة وفكراً زراعياً مختلفاً، مع تغير نمط الأمطار، التي لم تعد تهطل في أوقاتها المعتادة ولا بكمياتها الكافية.
وأضاف أن فترات الانقطاع الطويلة خلال شهري شباط وآذار تؤدي إلى إتلاف المحاصيل البعلية في مراحل نموها الحرجة، فيما تسبب الحرارة المبكرة والشديدة في الربيع لفحة المحصول، ما يؤدي إلى ضمور الحبوب وانخفاض جودتها ووزنها.
ونبّه بكر إلى أن الاعتماد الجائر على المياه الجوفية حل مؤقت قد يقود إلى كارثة طويلة الأمد، إذ انخفضت مناسيب المياه بشكل كبير، وأصبحت تكلفة استخراجها تفوق قدرة معظم المزارعين، ما يُخرج مساحات واسعة من دائرة الإنتاج سنوياً. وأشار إلى أن سهل الروج وسهل الغاب أصبحا نموذجاً حيّاً للأزمة، بعد أن كانا مثالين في الخصوبة.
وأكد الخبير أن الحل يكمن في الأرض نفسها، داعياً إلى تفعيل مراكز البحث العلمي الزراعي لتوجيه الجهود نحو استنباط أصناف قمح متحملة للجفاف والحرارة، والاستثمار في الري الحديث عبر إطلاق برنامج وطني شامل لدعم التحول إلى أنظمة ري موفرة للمياه، مع توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار معقولة لدعم المزارعين باعتبارهم خط الدفاع الأول عن الأمن الغذائي.
أخبار سوريا الوطن١-الثورة