السبت, 15 نوفمبر 2025 08:15 AM

الزجاج المعشق الدمشقي: حرفة عريقة تتحدى الاندثار بالتكنولوجيا الحديثة

الزجاج المعشق الدمشقي: حرفة عريقة تتحدى الاندثار بالتكنولوجيا الحديثة

دمشق-سانا: في دمشق، تتجسد حرفة فنية فريدة تمزج بين الدقة والجمال، حيث تتكامل مهارة الصانع اليدوي مع التقنيات الحديثة لإنتاج تحف فنية تمنح الزجاج مظهراً بصرياً يجمع بين الأصالة والابتكار.

في ورشة تعتبر شبه الوحيدة المتخصصة في هذا الفن بدمشق، رصدت "سانا" الجهود المبذولة للحفاظ على هذه المهنة، على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهت الصناعات التقليدية خلال السنوات الماضية. الحرفي عبد الله صوفية، يقوم بإنتاج قطع الزجاج المعشق، موضحاً أن العملية تبدأ بتصميم اللوحة باستخدام برامج هندسية على الحاسوب، مما يتيح عرض النموذج النهائي على الزبون قبل التنفيذ. بعد اعتماد التصميم، تتولى ماكينات القص الحديثة تشكيل القطع بدقة وفقاً للمقاسات المطلوبة.

ويضيف صوفية أن العملية تستمر بتنظيف الزجاج و"سنفرته" لإزالة الشوائب، ثم الانتقال إلى مرحلة النحاس والقصدير، حيث يتم جمع القطع وربطها وفقاً للنموذج النهائي. هذه المرحلة تعتمد بشكل كبير على خبرة الحرفي ومهارته، على الرغم من الدعم الذي توفره التكنولوجيا. ويشير إلى أن إدخال التقنيات الحاسوبية وماكينات القص ساهم في تقليص زمن العمل من يومين متواصلين إلى نحو ساعتين فقط، مع الحفاظ على الهوية الفنية للحرفة وخصوصيتها الجمالية.

ويوضح صوفية أن الزجاج المعشق في سوريا يمتلك جذوراً عميقة تمتد لقرون، حيث كان تنفيذه يتم يدوياً بالكامل بالاعتماد على الذوق والخبرة. أما اليوم، فقد أضافت التكنولوجيا بعداً جديداً لهذا الفن، وجعلته أكثر تنوعاً ودقة وقدرة على مواكبة المتطلبات المعاصرة.

مدير البيت التجاري في الاتحاد العام للحرفيين خالد فياض، ذكر أنه مع دخول التكنولوجيا إلى هذه الحرفة العريقة، ازدادت الدقة في التنفيذ وتنوعت الألوان والتصاميم، لتولد لوحات من الضوء تعكس التراث السوري الأصيل بروح معاصرة تواكب التطور وتمنح الزجاج حياة جديدة تنبض بالجمال والإبداع.

وبحسب فياض، فإن تلوين الزجاج بالأكاسيد المعدنية مثل النحاس والحديد أعطاه جمالاً خاصاً، فتحول إلى لوحات فنية هندسية بألوان متعددة. وأشار إلى أن الحرفيين كانوا يستخدمون قوالب خشبية وحجرية وجبصينية لتشكيل النوافذ المزخرفة بالزجاج المعشق، التي كانت جزءاً من المساجد والبيوت التقليدية.

ولفت إلى أن الزجاج المعشق لم يكن مجرد عنصر جمالي، بل كان له دور هندسي ووظيفي في تحديد أوقات الصلاة من خلال انعكاس ضوء الشمس عبر النوافذ الملونة، وهو مبدأ اعتمد عليه بعض العلماء المسلمين مثل ابن الشاطر في دراساتهم عن الظل والوقت.

ورغم ندرة العاملين في هذا المجال اليوم، لا يزال شغف قلة من الحرفيين حاضراً بقوة للحفاظ على هذه المهنة باعتبارها جزءاً من الهوية السورية. ومع التطور التكنولوجي، أثبت الحرفيون قدرتهم على توظيف التقنيات الحديثة لخدمة التراث، ليصبح الزجاج المعشق نموذجاً يجمع بين الأصالة والحرفة والإبداع التقني المعاصر.

مشاركة المقال: