حثّ مسؤولون أوروبيون كبار، يوم الثلاثاء، القارة الأوروبية على العمل الجاد لتبوء مركز الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتقليل الاعتماد على شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة. جاء ذلك خلال قمة عُقدت في برلين، وركزت على دفع المنطقة لتتصدر العصر الرقمي.
جمعت القمة قادة من قطاع التكنولوجيا في أوروبا، بحضور المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على وجه الخصوص. وقالت هينا فيركونين، رئيسة الشؤون الرقمية في المفوضية الأوروبية، في افتتاح الفعالية: "هدف أوروبا بسيط للغاية: نريد أن نكون روّادًا لا تابعين في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة".
وأضافت: "لدينا السوق، ولدينا المواهب، ولدينا الطموح. والآن، يجب علينا زيادة الاستثمار وتعزيز الابتكار وتوسيع تطبيقاته". وتأتي هذه الدعوة استجابة لمحاولات أوروبا لشق طريقها الرقمي الخاص، واتخاذ خطوات للحاق بركب الصين والولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي.
كما تزايدت المخاوف بشأن هيمنة التكنولوجيا الأميركية، مع تزايد التوتر في العلاقات مع واشنطن في ظل إدارة دونالد ترامب التي تتبنى شعار "أميركا أولا". وعلى الرغم من التوترات، قال مسؤول كبير في الرئاسة الفرنسية إن القمة لا تتعلق "بالمواجهة" مع الولايات المتحدة أو حتى الصين، بل بكيفية حماية سيادتنا والقواعد التي يجب وضعها، لا سيما على المستوى الأوروبي.
وقال آرتور مينش، الرئيس التنفيذي لشركة ميسترال الفرنسية للذكاء الاصطناعي، خلال جلسة نقاش، إنه ساهم في تأسيس الشركة "لأننا لم نكن نريد أن تصبح أوروبا مستعمرة للذكاء الاصطناعي، وهو ما بدا عليه الوضع في 2023". وأضاف كريستيان كلاين، الرئيس التنفيذي لشركة البرمجيات الألمانية العملاقة ساب SAP، أن هناك ضرورة لتحسين اللوائح الأوروبية لمساعدة الشركات المحلية.
وقال كلاين: "نحن بحاجة إلى إطار عمل هنا في أوروبا يُمكّننا من بناء أعمالنا وتحقيق الازدهار". وفي كلمته الافتتاحية، قال وزير الشؤون الرقمية الألماني كارستن فيلدبرغر إن "أوروبا كانت، ولفترة طويلة جدًا، مجرد عميل ومتفرج... والآن يجب أن نكون مبدعين".
ولكن القارة، وفق تعبيره، "لا تتحرك بالسرعة الكافية... القواعد التنظيمية فيها معقدة جدًا والبنية التحتية ما زالت متأخرة". جاءت تعليقاته فيما يُتوقع أن يقترح الاتحاد الأوروبي الأربعاء إلغاء القواعد المنظمة للذكاء الاصطناعي وحماية البيانات، وهي خطوة لاقت ترحيبًا من الشركات، وانتقدها المدافعون عن حماية الخصوصية والبيانات الشخصية.
كما أعلنت فيركونين عن التحرك ضد خدمات الحوسبة السحابية لشركتي أمازون ومايكروسوفت في برلين، مشيرة إلى تحقيقين متوازيين يهدفان إلى تقييم ما إذا كان ينبغي أن تُترك لعمالقة التكنولوجيا مهمة التحكم بالحوسبة السحابية. وأعلنت المفوضية الأوروبية، وهي الجهة التنظيمية للقطاع الرقمي في الاتحاد، أنها ستحقق فيما إذا كان ينبغي خضوع خدمات أمازون ويب (AWS) وأزور من مايكروسوفت لقانون الأسواق الرقمية (DMA).
وتشمل محادثات برلين كذلك جهود بناء قدرات حوسبة سحابية "سيادية" في الاتحاد الأوروبي يرى مؤيدوها أنها ستؤمن حماية أفضل لبيانات الأوروبيين. وتجمع القمة وزراء الشؤون الرقمية من جميع أنحاء أوروبا، بالإضافة إلى رؤساء تنفيذيين لشركات تقنية مثل ميسترال الفرنسية وساب الألمانية، ومن المتوقع الإعلان خلالها عن مبادرات رقمية جديدة.
بعد إلقاء كلمتيهما، سيتناول ميرتس وماكرون العشاء مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وإلى قلقها بشأن الاعتماد على الشركات الأميركية، لدى أوروبا مخاوف من الاعتماد على الصين وبلدان آسيوية أخرى للحصول على المعدات التي تحتاجها، من أشباه الموصلات إلى مكونات أجهزة الكمبيوتر المحمولة.
لكن القارة تواجه معركة شاقة لتحويل سلاسل التوريد من الشركات الأجنبية في المجال الرقمي. فبعد فترة طويلة من الضعف الاقتصادي، ما زالت شركات التكنولوجيا الأوروبية أصغر بكثير من منافساتها الأميركية. في عام 2024، كانت سعة مراكز البيانات في القارة - وهي مراكز بالغة الأهمية للذكاء الاصطناعي - لا تتجاوز 16 جيغاواط مقابل 48 جيغاواط في الولايات المتحدة و38 جيغاواط في الصين، وفقًا لدراسة حديثة أجرتها جمعية الأعمال الرقمية الألمانية (بيتكوم).
ومن جهة أخرى، يرى النقاد أن الاستثمارات التي أُعلن عنها أخيرًا في ألمانيا، ومنها مليارات الدولارات من غوغل، وشراكة بين عملاق الرقائق الأميركي إنفيديا ودويتشه تيليكوم لإنشاء مركز للذكاء الاصطناعي الصناعي، سلّطت الضوء على استمرار الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية. لكن كلاين، الرئيس التنفيذي لشركة ساب، بدا متفائلًا بقوله "لدينا صناعاتنا الخاصة التي نتميز بها. فلنطبق الذكاء الاصطناعي في هذه الميادين، وعندها سيكون لأوروبا مستقبل باهر".
أ ف ب