الخميس, 20 نوفمبر 2025 07:02 PM

كيف تؤثر الشاشات على نفسية طفلك؟ نصائح وإرشادات لحماية أطفالنا في العصر الرقمي

كيف تؤثر الشاشات على نفسية طفلك؟ نصائح وإرشادات لحماية أطفالنا في العصر الرقمي

في عصرنا الحالي، أصبحت الشاشات جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال اليومية، مما يجعل الحديث عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صحتهم النفسية أمراً بالغ الأهمية. فالجيل الصغير يعيش عالماً نفسياً جديداً يتشكل بصمت بين الصور والمقاطع المتنوعة.

يتناول هذا المقال تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، مع توضيح حالتين مختلفتين في تأثيرهما، كما يشرح البروفيسور سامي ريشا، رئيس قسم الطب النفسي في كلية الطب في جامعة القديس يوسف، في حديث لـ”النهار”.

الحالة الأولى تتعلق بالأطفال الذين لديهم استعداد للإصابة بمرض نفسي. في هذه الحالة، يزيد تعرضهم للشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي وإدمان الإنترنت من هذا الخطر. على سبيل المثال، الطفل الذي يعاني من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) سيعاني من زيادة في الانفعالية وسيبحث عن طرق لإظهارها على الإنترنت، وقد يدمن الألعاب الرقمية أو الخطيرة. وبالتالي، فإن إدمان الشاشات يزيد من حدة الاضطراب النفسي، والاكتئاب على سبيل المثال، حيث يرى الطفل في ألعاب الفيديو ومواقع التواصل علاجاً، وهو اعتقاد خاطئ يؤدي إلى الإدمان. الحل يكمن في الدعم النفسي من المختصين والأهل والمدرسة.

أما الحالة الثانية، فتتعلق بالأطفال الذين لا يعانون من أي مشاكل نفسية. في هذه الحالة، يمكن أن يؤثر تعرضهم لوسائل التواصل الاجتماعي على صحتهم النفسية بشكل غير مباشر، من خلال اضطرابات النوم، والتأثير على الحركة والنشاط، والشعور بالقلق والتوتر الدائم. ومع ذلك، من الصعب تحديد ما إذا كان إدمان الشاشات والإنترنت هو السبب المباشر للاكتئاب والقلق، أم أن هناك أسباباً أخرى مجتمعة. فالانتحار مثلاً، لا يمكن أن يكون سببه الوحيد إدمان الشاشات، بل هناك عوامل أخرى متعددة.

تتأثر الصحة النفسية للطفل على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال التعرض للتنمر الإلكتروني، والتمييز العنصري، والكراهية، والتحرش الإلكتروني، ومحتوى غير لائق. ويزيد احتمال هذه الحالات مع إدمان الإنترنت، حيث ازدادت نسبة التنمر لدى الأطفال والمراهقين في العالم، وفقاً لريشا، لأنها أصبحت مستمرة على مدار اليوم عبر الجوال ولم تعد تقتصر على المدرسة.

من تأثيرات هذه المشاكل، أن يقوم الطفل بتقليد السلوك الذي يراه ويسمعه على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ينزلق في سلوك التمييز العنصري والكراهية دون أن يشعر، خاصة إذا كان هشاً أو محاطاً ببيئة تكثر فيها المشاكل العائلية. ويظهر تأثير هذه المشاكل على شكل القلق والاكتئاب، حيث يعاني الطفل من أعراض جسدية مثل الصداع واضطرابات الجهاز الهضمي، وأعراض سلوكية مثل الغضب ومعاندة الأهل، وأعراض إدراكية مثل ضعف التركيز والذاكرة.

بالإضافة إلى أعراض القلق، يشهد الطفل المصاب بالاكتئاب نوعاً من الحزن، والقهر، والبكاء دون سبب، وتغيراً في نمط سلوكه وتصرفاته، والعزلة. وقد تنمو الأفكار السوداء أو الانتحارية لدى بعض المراهقين. وفي كلتا الحالتين، يشهد الطفل اضطرابات في الشهية والنوم. ولا تختلف التأثيرات بين الأطفال والمراهقين كثيراً، ولكن قد يعاني الأطفال من القلق ليلاً، بينما قد ينام المراهق أكثر خلال النهار.

يشير ريشا إلى اختلاف وجهات النظر حول المدة الأمثل لتعرض الطفل للشاشات، ولكنها لا تتعدى ثلاث ساعات في أيام الأسبوع. وبرأيه الشخصي، تكون المدة المقبولة ساعة إلى ساعتين في أيام الأسبوع، ويمكن مضاعفتها في عطلة نهاية الأسبوع لتصبح ساعتين إلى أربع ساعات في اليوم.

هناك نظريات تتحدث عن عمر 12 عاماً كعمر سليم لاقتناء جوال، ولكن حالياً يطلب الأطفال في أعمار مبكرة جداً اقتناء الجوال. ويستذكر ريشا نظرية الـ3-6-9-12 للطبيب النفسي الفرنسي سيرج تيسرون، التي تقتضي بألا يحمل الطفل أي شاشة قبل الثلاث سنوات، وألا يلعب بأي لعبة فيديو قبل الست سنوات، وألا يكون لديه إنترنت قبل التسع سنوات، وألا يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي قبل الـ12 سنة. هذه النظرية متَّبعة عامّة في دول أوروبا، وبنظر ريشا، هي من القواعد التي يمكن تطبيقها في ما يتعلق بالاستخدام الآمن لصحة نفسية سليمة للأطفال والمراهقين في الفضاء الرقمي.

ويشدد ريشا على أنه لا يمكن منع الأطفال من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو الجوال أو الإنترنت، وهو يعارض هذا المنع، بل يرى أن المنع يبث الإصرار لدى الطفل على الاكتشاف.

لحماية الطفل في الفضاء الرقمي، يجب على الأهل تحديد مدة تعرض أطفالهم للشاشات، والتحدث معهم يومياً لمدة خمس إلى عشر دقائق عما رأوه على هذه المواقع، وشرح المخاطر المحتملة، ليشعر الطفل بالراحة والأمان والثقة بأن يعبر لهم ويخبرهم إذا تعرض لموقف سيئ. كما يجب على الأهل معالجة أي مشكلة نفسية يعاني منها طفلهم، مثل الخجل الاجتماعي أو الاكتئاب.

وعلى المدرسة أن تخصص حصة ولو لربع ساعة في اليوم لاكتشاف ما يمر به الأطفال من أمور إيجابية وسلبية على هذه المواقع، بهدف التوعية، وضرورة التمييز لهم بين الأمور الواقعية والأمور الافتراضية.

يمكن تنمية مواهب الأطفال المختلفة لمساعدتهم على قضاء وقت أقل على الشاشات، واصطحابهم للعب في الطبيعة. ويرى ريشا أن مواقع التواصل الاجتماعي تحمل جوانب إيجابية أكثر بكثير من الجوانب السلبية، ويمكن تعليمها للأطفال، تماماً كما حدث خلال جائحة كورونا، عندما أصبحت أداة فعالة لتعليم الأطفال عادات مثل الطبخ والرياضة.

في إطار مبادراتها لحماية الأطفال والمراهقين النفسية في الفضاء الرقمي، تتعاون “اليونيسف” مع الجهات المعنية، مثل المجلس الأعلى للطفولة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية. وقد أطلقت “اليونيسف” مع وزارة التربية وجمعية “Himaya” والمركز التربوي للبحوث والإنماء، كتيّب “أبطال الإنترنت” الرقمي، وأطلقت أيضاً تطبيق “Daleela” الذي يهدف إلى تعزيز الصحة النفسية لدى الأطفال وتثقيفهم على الأمان في الفضاء الرقمي.

وعلى صعيد الأهل، توفر “اليونيسف” جلسات توعية وإرشاد لهم حول سبل حماية ودعم أطفالهم في الفضاء الرقمي. ومن خلال برنامج “Qudwa”، تتعاون “اليونيسف” في هذه الجلسات مع أشخاص يمثلون نماذج وقدوة لرفع الوعي لدى الأهل حول مخاطر الإنترنت على صحة الأطفال النفسية وكيفية حمايتهم.

مشاركة المقال: