الأحد, 23 نوفمبر 2025 05:01 PM

المركزي السوري يطالب المصارف بتغطية خسائرها في لبنان وتقديم خطط إعادة هيكلة

المركزي السوري يطالب المصارف بتغطية خسائرها في لبنان وتقديم خطط إعادة هيكلة

عنب بلدي – محمد كاخي – أصدر مصرف سوريا المركزي تعليمات تلزم المصارف التجارية بتغطية كاملة لخسائرها الناتجة عن الانهيار المالي في لبنان، مع مطالبة بتقديم خطط إعادة هيكلة "موثوقة" خلال مدة أقصاها ستة أشهر.

وفقًا لتقرير نشرته وكالة "رويترز" في 21 تشرين الأول الماضي، فإن التوجيه الصادر عن البنك المركزي في 21 أيلول الماضي، يشدد على ضرورة اعتراف المصارف بنسبة 100% من انكشافها المالي على النظام المصرفي اللبناني، حيث كانت البنوك السورية قد أودعت جزءًا كبيرًا من أموالها خلال سنوات الحرب.

صرح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، لـ"رويترز"، بأن الحكومة تسعى إلى مضاعفة عدد المصارف التجارية العاملة في سوريا بحلول عام 2030، وأن بعض البنوك الأجنبية أبدت اهتمامها بدخول السوق السورية، دون الكشف عن تفاصيل إضافية "نظرًا إلى سرية العملية".

أشار الحصرية إلى أن قيمة انكشاف المصارف التجارية السورية على لبنان تزيد على 1.6 مليار دولار، ووفقًا لحسابات "رويترز" المستندة إلى التقارير المالية لكل المصارف التجارية الـ14 في سوريا لعام 2024، والتي نشرتها بورصة دمشق، تمثل هذه النسبة جزءًا كبيرًا من إجمالي الودائع في القطاع المصرفي التجاري السوري البالغ 4.9 مليار دولار.

الانكشاف المالي هو كمية الأموال المجمدة أو المعرضة للخطر لدى المصارف الأخرى والتي يجب على المصرف تغطيتها أو حسابها كخسائر محتملة.

قرار الاعتراف الكامل بالخسائر.. لماذا الآن؟

يرى الباحث والمحلل الأول في مؤسسة "كرم شعار للاستشارات" بنجامين فيف، أن المصرف المركزي يهدف من خلال هذا القرار إلى استعادة الشفافية والمصداقية من خلال تنظيف الميزانيات بعد سنوات من التأخر في الاعتراف بالخسائر، مما يخلق نقطة انطلاق أوضح لعملية إعادة الرسملة، وجذب المستثمرين الدوليين مثل المستثمرين من دول الخليج وتركيا، وكذلك إعادة تشكيل هيكلية الملكية بعيدًا عن المساهمين اللبنانيين التقليديين.

ويعد هذا الإجراء، بحسب فيف، خطوة أولى ضمن أجندة إصلاحية أوسع، تتضمن مثلًا: تشديد المخصصات للقروض المتعثرة المحلية، وإجراء اختبارات ضغط، وفرض متطلبات رأسمال جديدة، إضافة إلى منح تراخيص لبنوك أجنبية جديدة، ووضع الأساس لقطاع مصرفي أكثر تنوعًا وأفضل رسملة بحلول عام 2030.

ويرى الدكتور في الاقتصاد والمستشار المالي علي محمد، أن سوريا في هذه المرحلة تحتاج إلى قطاع مالي مصرفي قوي، يتمكّن من تسهيل إنجاز أعمال الاستثمار وإعادة الإعمار، فهذه الأعمال تحتاج إلى أموال تُحوَّل من الخارج إلى الداخل السوري. وبالمقابل، سيتم تحويل جزء من هذه الإيرادات والأرباح إلى الخارج، وهذا كله يحتاج إلى نظام مصرفي مالي قوي.

وقال محمد، في حديث إلى عنب بلدي، إن عودة سوريا إلى نظام المدفوعات الدولي (سويفت)، وإلى مجموعة الأعمال المالية، كلها عوامل مهمة لكي يصبح لدى سوريا مسار إصلاح مصرفي حقيقي في سوريا.

ملاءة تحت الضغط.. مصارف على حافة الانهيار

قال حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، لـ"رويترز"، إنه سيتعين على المصارف تزويد المركزي بخطة موثوقة لإعادة الهيكلة، وإن المصارف قادرة على إيجاد سبل مختلفة للقيام بذلك، بطرق تشمل البنوك الشقيقة في لبنان أو من خلال الشراكة مع مؤسسات دولية أخرى.

وقال ثلاثة مصرفيين لـ"رويترز"، إن بعض البنوك المتضررة تجري محادثات، لا تزال في مراحلها المبكرة، مع مؤسسات مالية عربية، مثل بنوك مقرها الأردن والسعودية وقطر، بشأن عمليات استحواذ محتملة.

يرى الدكتور في الاقتصاد والمصرفي إبراهيم قوشجي، أن طلب المركزي يحمل انعكاسات مباشرة على ملاءة المصارف ورأسمالها في المدى القريب، فالعديد من المصارف ستجد أن خسائرها تتجاوز رأسمالها، ما يضعها في خانة الإفلاس، وقد تواجه بعض المصارف، خصوصًا ذات الانكشاف الكبير على لبنان، خطر الانهيار أو الاندماج القسري إذا لم تُدعَم بخطط إعادة هيكلة جدية أو دخول رؤوس أموال جديدة.

وبالرغم من أهمية هذه الخطوة فإنها مؤلمة، وقد تؤدي إلى انهيار بعض البنوك إذا لم تُدعَم بخطط إعادة هيكلة جدية، بحسب قوشجي.

الملاءة المالية هي القدرة على السداد، وتشير إلى قدرة الشركة على الوفاء بالالتزامات النقدية المطلوب سدادها على المدى الطويل، ويؤدي عدم توفر ملاءة مالية في الشركة إلى إفلاسها في النهاية.

وفي المقابل، يرى الباحث والمحلل الأول في مؤسسة "كرم شعار للاستشارات" بنجامين فيف، أن حدوث انهيار مفاجئ للمصارف غير مرجّح، لأن المصرف المركزي يدفع المصارف نحو تسريع إعادة الرسملة، ودخول المستثمرين الأجانب، وعمليات الاندماج، ولأن بعض المصارف المرتبطة بلبنان كانت قد كوّنت بالفعل مخصصات تتراوح بين 60 و100% قبل هذا التوجيه.

وهو ما رصدته عنب بلدي من خلال الإفصاحات التي نشرتها المصارف السورية الخاصة على موقع "هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية".

إلا أن المصارف ذات رأس المال الضعيف، والتي لا تملك داعمًا خارجيًا، تواجه خطرًا حقيقيًا قد يفرض عليها الاندماج أو المعالجة المرحلية، إذا لم تتمكن من زيادة رأس مالها بعد انقضاء مهلة المركزي، بحسب فيف.

تحدي الستة أشهر

انتقد بعض المصرفيين السوريين في حديثهم إلى "رويترز" قصر مدة المهلة الممنوحة للامتثال لتوجيه تكوين مخصص، وقال أحد المصرفيين، إن "القرار في حد ذاته مبرر، لكن المهلة ليست كذلك".

وحاولت عنب بلدي التواصل مع بعض المصارف المشمولة بقرار المركزي، إلا أنها امتنعت عن التصريح بخصوص الموضوع، وبعضها لم يرد حتى لحظة تحرير هذا التقرير.

وفي حديثه إلى عنب بلدي، يرى الباحث الأول والمحلل الاقتصادي في مؤسسة "كرم شعار للاستشارات" بنجامين فيف، أن مهلة ستة أشهر تعد فترة قصيرة للغاية، وذلك لأن إعداد خطة إعادة هيكلة موثوقة يتطلب تدقيقات محدثة، واختبارات ضغط، ومفاوضات مع المساهمين، وفي بعض الحالات محادثات مع مستثمرين أجانب، وهو ما قد يستغرق وقتًا طويلًا بسبب السياق الحالي في سوريا.

وبحسب فيف، وصف بعض المصرفيين الذين تحدث معهم هذه المدة بأنها قصيرة جدًا وقاسية بعض الشيء.

لكن يبدو أن الهدف ليس أن تُكمل المصارف عملية إعادة الرسملة خلال ستة أشهر، بل أن تُجبَر على الإفصاح المبكر عن وضعها المالي الحقيقي، ومن خلال ذلك يمكن للمركزي تحديد المؤسسات التي لديها مسار قابل للاستمرار، لذا ستحتاج عدة مصارف إلى تمديد المهلة أو إلى خطط مرحلية.

ويرى الدكتور في الاقتصاد والمصرفي إبراهيم قوشجي، أن هذه المهلة قد تكون كافية للمصارف ذات الخسائر المحدودة لإعادة ترتيب المخصصات، وجذب مساهمين جدد، أو الدخول في شراكات، أما للمصارف التي تجاوزت خسائرها رأسمالها فإن ستة أشهر غير كافية عمليًا، إذ تحتاج هذه المصارف إلى وقت أطول لإعادة هيكلة شاملة تشمل إعادة تقييم الأصول، ومعالجة الديون المتعثرة، وربما الدخول في صفقات استحواذ أو اندماج.

وقد تدفع هذه المدة القصيرة، بحسب قوشجي، بعض المصارف إلى تقديم خطط شكلية لا تعكس واقعها المالي، وهو ما يتطلب رقابة صارمة من المصرف المركزي لضمان جدية التنفيذ.

ويتوقف نجاح هذه الخطط على قدرة المصرف المركزي على فرض رقابة صارمة، وتوفير بيئة قانونية جاذبة للاستثمار، بحيث تتحول الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء قطاع مصرفي أكثر صلابة وشفافية.

ولم يجب المصرف المركزي عن أسئلة عنب بلدي حول المعايير المحددة التي سيعتمدها للحكم على التزام المصارف بخطط إعادة الهيكلة خلال الأشهر الستة.

فيما يرى الدكتور في الاقتصاد والمستشار المالي علي محمد، في حديثه إلى عنب بلدي، أنه يجب أن يكون هناك نوع من المرونة في تعاطي المصرف المركزي مع المهلة التي أعطاها للمصارف، خصوصًا أن هذه المصارف ستسعى إلى تشكيل مخصصاتها فورًا، امتثالًا لقرار المركزي، وستعمل على محاولة إيجاد حلول لتغطية هذا الانكشاف.

وربما يكون هناك تعاون بين المصارف السورية والمصارف اللبنانية التي وُضعت فيها المبالغ، وقد يكون هناك تعاون بين المصرف السوري المركزي ومصرف لبنان المركزي، وصولًا إلى التعاون بين الحكومة السورية والحكومة اللبنانية، لأن الموضوع أكبر من مشكلة انكشاف المصارف السورية على المصارف في لبنان، وتتطلب علاجًا على أعلى المستويات بين حكومتي البلدين، بحسب محمد.

مشاركة المقال: