درعا – محجوب الحشيش: تشهد الأسواق الرئيسية في مدينة درعا، التي استقبلت عودة المستثمرين مؤخرًا، حالة من الركود في حركة البيع والشراء، مما أثر سلبًا على النشاط التجاري بشكل عام. من بين هذه الأسواق المتضررة "الحجاز مول"، وسوق "شارع الشهداء"، وسوق الخضار، والتي عانت من الدمار خلال السنوات الماضية نتيجة المواجهات بين الفصائل المحلية وقوات النظام السوري السابق. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الأسواق العشوائية ذات التراخيص المؤقتة منتشرة في المدينة، وهي نتيجة للظروف التي فرضتها المعارك خلال السنوات الماضية.
يربط المستثمرون استعادة النشاط في الأسواق القديمة بإلغاء تراخيص الأسواق المستحدثة، وإعادة تأهيل الطرق وإنارتها، وتفعيل خط النقل الداخلي إلى ساحة بصرى، التي كانت مركزًا حيويًا للمواصلات في مدينة درعا قبل عام 2011.
الركود يتسبب في خسائر المستثمرين
باع محمد العميان أرضه الزراعية في بلدة تل شهاب بريف درعا الغربي بهدف استثمارها في ثلاثة محال لبيع الملابس في سوق "الحجاز مول". وأشار العميان في حديثه لعنب بلدي إلى أن مبيعاته لا تكفي لتغطية تكاليف إيجار المحال، حيث يصل إيجار المحل الواحد إلى 200 دولار شهريًا، وفي بعض الأحيان لا يحقق أي مبيعات أو يبيع لزبون واحد أو اثنين فقط، مما اضطره إلى الاستغناء عن بعض العمال. كان يتوقع أن يشهد السوق تحسنًا مع دخول فصل الشتاء، إلا أن الركود لا يزال مستمرًا. قام محمد بتخزين الملابس الصيفية المتبقية على أمل بيعها في الصيف المقبل، ولكنه يخشى من كسادها بسبب ظهور موديلات جديدة، مما قد يعرضه لخسائر ويضطره لبيعها بأسعار منخفضة. وأكد محمد على غياب التشجيع على الاستثمار في درعا، حيث يدفع رسومًا للبلدية ويتحمل تكاليف الكهرباء بقيمة 1600 ليرة سورية للكيلو الواحد.
من جهته، صرح علي العبود، صاحب محل أحذية في سوق "الحجاز مول"، لعنب بلدي، بأن الحركة التجارية متوقفة تمامًا، وأن السكان يزورون المحال دون الشراء. وأضاف أن عدم قدرته على بيع الأحذية في معظم الأيام يعرضه لخسارة قيمة إيجار المحل، مشيرًا إلى أن الحركة كانت ضعيفة منذ افتتاح السوق.
منذ حوالي عام، كان خالد المصري، وهو مستثمر في سوق "الشهداء" بمدينة درعا، يأمل في تحسن الأوضاع، ولكنه لم يشهد أي تحسن خلال الفترة الماضية، مما دفعه إلى التفكير في إغلاق محله والانسحاب من السوق. وأوضح خالد أن حركة السوق تضعف بشكل كبير بعد الساعة الثانية ظهرًا، وأن معظم الباعة يقضون اليوم دون تحقيق أي مبيعات. ويعزو ذلك إلى ضعف القدرة الشرائية للسكان، حيث يسأل الزبون عن سعر المنتج ويقارن الأسعار، ولكنه في النهاية لا يشتري شيئًا. كما أشار إلى أن إيجارات المحال التجارية، على الرغم من صغر مساحتها، لا تتناسب مع الإيراد اليومي، حيث وصل إيجار المحل في سوق "الشهداء" مؤخرًا إلى 600 دولار.
أسباب الركود
يرجع الباحث الاقتصادي عبد الحكيم المصري ضعف القدرة الشرائية للسكان إلى عدة عوامل، أهمها إنفاق المدخرات في ترميم المنازل بعد عودة السكان إليها. وأضاف الباحث، في حديث إلى عنب بلدي، أن لدى السكان أولويات أخرى تتقدم على شراء الملابس أو المأكولات، مثل تكاليف المدارس (لباس وقرطاسية)، وكذلك إنفاق جزء من المدخرات على المؤونة ووسائل التدفئة (مازوت أو حطب)، مما جعلهم يصرفون النظر عن الكماليات كالملابس والإكسسوارات. وقدّر المصري متوسط الدخل العام للأسرة بما يتراوح بين 150 و200 دولار شهريًا، وهو مبلغ غير كافٍ لتغطية نفقات شراء الملابس وغيرها.
وفي سياق متصل، ذكر أمين سر غرفة الصناعة والتجارة في درعا، لعنب بلدي، أن أسباب الركود تشمل ضعف الإنتاج الزراعي بعد عام صعب، وضعف الإنتاج الصناعي الذي لم يستقر بعد التحرير.
بنية متهالكة
تحدث المستثمر في سوق "الحجاز مول" علي العبود عن البنية التحتية المحيطة بالسوق، والتي ما زالت مدمرة، مما يجعل السوق المرممة تبدو كصرح وسط محيط من الدمار. وأضاف أن الخدمات المحيطة بالسوق ضعيفة، حيث تتجمع مياه الأمطار في برك بعد أولى الزخات، كما أن الشوارع لا تزال بحاجة إلى ترميم.
أشار محمد العمري، أمين سر غرفة صناعة وتجارة درعا، إلى أن السوق التجارية القديمة مدمرة بنسبة 50% من المحال والأبنية. وأضاف أن غرفة الصناعة والتجارة، بالتعاون مع المنظمات الدولية، أشرفت على إنارة الشوارع الرئيسية في السوق. تضم السوق، بحسب العمري، 3000 محل تجاري وعيادات ومكاتب معظمها خارج الخدمة. وطالب العمري بتفعيل دور النقابات لإعادة العيادات والمكاتب إلى مواقعها الأصلية. وأشار إلى أن غرفة الصناعة والتجارة نجحت في إعادة سوق "الشهداء" بالكامل، وتعمل حاليًا بشكل تدريجي لعودة الأسواق للعمل، مع مطالبة المالكين بترميم محالهم التجارية. وتشهد الأسواق عودة تدريجية، حيث رصدت الغرفة عودة 30 محلًا تجاريًا في شارعي القوتلي وهنانو خلال الشهر الماضي. وقال الباحث الاقتصادي عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي، إنه يجب تشجيع البيئة الاستثمارية في هذه الأسواق وتحويل الممتلكات العامة الوقفية إلى محال تجارية ومولات وعرضها للاستثمار بأجور مشجعة.
الأسواق العشوائية
يعود نشوء الأسواق العشوائية إلى أن السوق الرئيسة في مدينة درعا كانت ساحة معارك خلال سنوات الثورة، مما دفع النظام السابق إلى نقل الأسواق التجارية وعيادات الأطباء والمحامين وغيرها من الفعاليات المدنية إلى الأحياء السكنية البعيدة عن أماكن الاشتباكات، مثل حي السبيل والكاشف والبانوراما، وقد مُنح التجار ترخيصًا مؤقتًا يسمح لهم بمزاولة الأعمال التجارية في هذه الأحياء. ولا يزال هذا الترخيص ساريًا حتى تاريخ إعداد هذا التقرير بعد سقوط نظام الأسد.
قال عبد الله سويدان، مستثمر في سوق "الحجاز مول"، لعنب بلدي، إن الحركة التجارية ستبقى ضعيفة في الأسواق الرئيسة ما لم يلغِ مجلس بلدية مدينة درعا التراخيص المؤقتة. وذكر أن السكان يتجهون إلى الأسواق العشوائية لقربها من مناطق السكن ورخص الأسعار فيها، إذ تُعتبر القيمة الإيجارية والرسوم أعلى في الأسواق الرئيسة. وطالب محمد العمري، أمين سر غرفة تجارة وصناعة درعا، مجلس مدينة درعا بإرسال إنذارات للفعاليات التجارية في الأحياء السكنية لإخلاء هذه المناطق، لأن تصنيفها القانوني هو أحياء سكنية. ونوه إلى ضرورة تفعيل دور النقابات لإلزام الأطباء والمحامين والمهندسين بالعودة لفتح مكاتبهم في السوق الرئيسة، بالإضافة إلى إعادة ترميم البنك التجاري ودوائر الدولة في السوق الرئيسة من أجل استعادة الحركة. وكذلك ترميم البنك التجاري ومباني الدوائر الحكومية في السوق الرئيسة بهدف إعادة الحياة إلى المنطقة وتشجيع المالكين على تجديد محالهم فيها.
وفي سياق آخر، أعلن صندوق النقد الدولي عن اتفاقه مع سوريا على برنامج مكثف للتعاون خلال المرحلة المقبلة، وذلك خلال زيارة قامت بها بعثة الصندوق الدولي إلى سوريا برئاسة رون فان رودون. وبحسب بيان نشره الصندوق، في 17 من تشرين الثاني الحالي، فإن الاقتصاد السوري يظهر بوادر تعافٍ، وتمكنت الحكومة السورية، رغم التحديات العديدة التي تواجهها، من اعتماد سياسة مالية ونقدية صارمة بهدف الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي.