عنب بلدي – رأس العين: يشكو سكان مدينتي رأس العين وتل أبيض، شمال شرقي سوريا، من ارتفاع ملحوظ في إيجارات المنازل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد فترة من الاستقرار والانخفاض دامت أكثر من عام. وقد أثار هذا الارتفاع استياء السكان، وخاصة ذوي الدخل المحدود.
أفاد عدد من أصحاب المكاتب العقارية لـ عنب بلدي بأن أصحاب المنازل قاموا برفع الإيجارات بشكل ملحوظ، معللين ذلك بارتفاع الطلب على السكن نتيجة عودة بعض العائلات إلى المدينة وتحسن نسبي في الخدمات المقدمة.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة السورية تسيطر على المنطقة الواقعة في شمالي الرقة وغربي الحسكة، بينما تحيط بها مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وذلك بعد سيطرة "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا عليها، في إطار عمليات "نبع السلام" في 2019. وتُعدّ الحدود التركية المنفذ الوحيد للمنطقة إلى العالم الخارجي.
عودة العائلات تزيد الطلب
ساهمت عودة عدد من العائلات إلى مدينة رأس العين خلال الأشهر الماضية في تنشيط الحركة التجارية ورفع الطلب على السكن، مما أعاد قدرًا من الحيوية إلى الأسواق. يروي محمد العزام (38 عامًا) من مدينة تل أبيض أنه بعد اتفاق مسبق مع صاحب المنزل على إيجار شهري قدره 15 دولارًا أمريكيًا، فوجئ برفع المبلغ إلى 35 دولارًا بعد عام كامل من استئجاره للعقار، دون تقديم إشعار مسبق. وحين استفسر عن سبب الزيادة، أخبره المؤجّر بوجود عائلات عائدة إلى المنطقة أبدت استعدادها لدفع 50 دولارًا لقاء المنزل، ما دفعه لرفع الإيجار. وأكد محمد أنه لا يملك القدرة على تحمل هذا المبلغ المرتفع، وأن الزيادة تفوق دخله وإمكاناته المعيشية، مطالبًا بضرورة وضع سقف للإيجارات للحد من الزيادات المفاجئة التي تثقل كاهل المستأجرين وتزيد أعباءهم المالية اليومية.
من جانبه، لم يستطع معصوم الحمران (29 عامًا) من مدينة رأس العين تحمل تكاليف إيجار منزله بعدما رفعه المؤجّر بشكل مفاجئ من عشرة دولارات إلى 25 دولارًا أمريكيًا، وهو مبلغ يفوق قدرته المالية اليومية. وأوضح لـ عنب بلدي أنه لا يستطيع تحمل الإيجار الجديد، باعتباره عاملًا في الإنشاءات ويعتمد دخله بالكامل على هذا العمل، ما يجعل زيادة الإيجار عبئًا إضافيًا يصعب تحمله. وبعد بحث طويل دون جدوى، اتخذ معصوم قرار العودة إلى قريته بالمناجير شرقي رأس العين، ليستقر فيها مؤقتًا إلى أن يتمكن من العثور على منزل يناسب قدراته المالية.
يواجه أغلبية العائدين إلى تل أبيض ورأس العين صعوبة في العثور على مساكن مناسبة، نتيجة الارتفاع في الطلب على المساكن وقلة المعروض. عاد حسين الحمران وعائلته منذ شهرين من الرقة إلى بلدة سلوك بعد سقوط النظام السوري، أملًا في الاستقرار والبدء بحياة جديدة في مدينتهم الأصلية. وبعد وصوله، بدأ مباشرة بالبحث عن منزل لاستئجاره في سلوك، لكنه لم يجد، فوسّع بحثه إلى تل أبيض ورأس العين، لكنه واجه صعوبة كبيرة في العثور على أي منزل مناسب للاستقرار فيه. وبعد بحث طويل، وجد حسين منزلًا في تل أبيض، لكن بإيجار شهري قدره 100 دولار أمريكي، وهو مبلغ يفوق قدرته المالية بكثير. وذكر أنه اضطر هو وعائلته إلى الاستقرار مؤقتًا في منزل خالته، على أمل أن يتمكن لاحقًا من العثور على منزل يناسب إمكانياته المالية ويمنحه الاستقرار المطلوب. ويدفع غلاء الإيجار وقلة المنازل الأهالي والعائدين من الداخل السوري في رأس العين وتل أبيض إلى السكن في شقق غير مهيأة أو مكسوّة، فيلجؤون لإغلاق الفتحات في تلك المنازل بالأقمشة والكرتون ليستقروا فيها.
زيادة الطلب مقابل قلة المعروض
تسبب ارتفاع الطلب على المساكن مقابل قلة المعروض في تل أبيض ورأس العين بصعوبة للعائدين في العثور على منازل مناسبة، ما أدى إلى زيادة الإيجارات بشكل ملحوظ وخلق ضغوط اقتصادية إضافية على الأسر الباحثة عن الاستقرار. سمسار العقارات في رأس العين وتل أبيض عامر سطام، قال لـ عنب بلدي، إن العثور على منزل للإيجار أصبح صعبًا خلال الشهرين الماضيين، خصوصًا بعد إغلاق "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدارس الحكومية في الحسكة والرقة، ما دفع العائلات للانتقال إلى رأس العين وتل أبيض لتعليم أبنائها المنهاج الحكومي. وأضاف أن مكتب العقارات الذي يديره يحتوي على سجل يضم أكثر من 520 عائلة تبحث عن منازل للإيجار، ولم يتمكن من إيجاد سوى ثلاثة منازل فقط، ووصل الإيجار في بعضها إلى 100 دولار أمريكي، وهو مبلغ مرتفع بالنسبة لأغلبية الأسر. وأشار إلى أن الحل الوحيد يكمن في وضع سقف للإيجارات في المدينتين، بما يضمن حماية الأسر من الزيادات المفاجئة ويخفف العبء المالي عنها، خصوصًا العائلات العائدة والجديدة الباحثة عن السكن.
تواصلت عنب بلدي مع المجالس المحلية في رأس العين وتل أبيض، وأوضحوا أنهم يعملون على وضع خطة لتحديد سقف محدد لإيجار المنازل في المدينتين، بما يتناسب مع قدرة المستأجر ومتطلبات المؤجر. يصل عدد السكان في رأس العين وتل أبيض إلى نحو 253 ألف شخص، بينهم 12 ألفًا من المهجرين، وفق إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من المجالس المحلية في المدينتين.