شهدت عدة مناطق في الساحل السوري، صباح اليوم الثلاثاء، مظاهرات احتجاجية تركزت في محافظتَي اللاذقية وطرطوس، للمطالبة بتطبيق اللامركزية الإدارية والإفراج عن الموقوفين خلال الأشهر الماضية. وقد جرت هذه الاحتجاجات وسط انتشار أمني كثيف وظهور دعوات متقابلة بين المؤيدين والمعارضين.
توافد محتجّون من أرياف طرطوس واللاذقية، ورفعوا شعارات تدعو إلى وقف العنف وتعزيز اللامركزية، بالإضافة إلى مطالب بإطلاق سراح معتقلي ما بعد سقوط النظام السابق، من ضباط وعناصر محسوبين على ما يُعرف بـ"الفلول".
ووفقًا لمصادر محلية، بدأت التظاهرات بأعداد كبيرة، قبل أن تتراجع تدريجيًا مع تقدّم النهار، في ظل إجراءات أمنية مشددة من قبل قوات الأمن الداخلي التي طوّقت مواقع التظاهر بالكامل، بهدف ضمان سلامة المتظاهرين والمواطنين.
طوّقت القوى الأمنية أماكن التظاهر، وصرح مصدر مسؤول في محافظة اللاذقية لموقع سوريا 24 بأنّ القوات الأمنية متواجدة في الساحات لحماية المظاهرات، وأنّ جميع وسائل الإعلام مرحب بها لتغطيتها.
نشرت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" صورًا لانتشار عناصر الأمن الداخلي في مدينة طرطوس، في حين ذكرت قناة "الإخبارية السورية" أن قوات الأمن تمركزت في عدة نقاط، من بينها دوّار هارون في اللاذقية، لتأمين الاستقرار وحماية الممتلكات العامة والخاصة.
كما رفع المتظاهرون لافتات حملت عبارات مثل: "اللامركزية.. لا للإرهاب.. لا للسلاح المنفلت"، في تحرّكٍ قال مراقبون إنه جاء استجابة لدعوة أطلقها الشيخ غزال غزال، رئيس "المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر".
تصريحات وتحليلات متباينة حول أسباب الحراك
المحامي عروة السوسي رأى أن الحراك يأتي في سياق تصعيد سياسي يهدف إلى زيادة الضغط على الحكومة السورية، عبر تحالفات تضم أطرافًا من "قسد"، و"الفلول"، وبعض المجموعات الدرزية، معتبرًا أن الهدف هو منح التحركات طابعًا احتجاجيًا على خلفية أحداث أمنية وقعت في حمص مؤخرًا.
وأكد السوسي لموقع سوريا 24 أن الجهات المحرّضة تحاول الإيحاء بعدم استقرار البلاد عبر إشعال الجبهات في وقت واحد، مشيرًا إلى أن الرهان الحقيقي كان على حدوث صدامات داخلية تُنقل إلى المجتمع الدولي، لكنه أشاد في الوقت نفسه بأداء الأجهزة الأمنية، خصوصًا في مدينة جبلة، التي شهدت احتواء التوتر ومنع أي احتكاك بين المؤيدين والمعارضين.
من جهته، قال علي، ص، وهو ناشط في السلم الأهلي من اللاذقية، فضّل عدم نشر اسمه خوفًا من التجاذبات الطائفية، لموقع سوريا 24 إن ما حدث اليوم لم يكن فقط نتيجة دعوة غزال، بل نتيجة مظلومية واقعية يعاني منها قسم من الشعب السوري، تتعلّق بفوضى السلاح المنتشر، والضغوط الاقتصادية التي تمسّ الجميع.
وأضاف أن الاعتصام كان من الممكن أن يسير بطريقة حضارية تحقق نتائج إيجابية، لكن بعض المندسين من الطرفين عملوا على تشويهه. ودعا إلى تنظيم أي حراك مستقبلي ضمن أطر قانونية مرخّصة وتحت حماية الدولة، محذرًا من السماح لقوى خارجية بأن تستغل مطالب الداخل لأجنداتها.
بدوره شدد الناشط فادي محمد من مدينة جبلة، على أهمية السلم الأهلي، معتبرًا خلال حديثه لموقع سوريا 24 أن ما يجري يدخل ضمن "تحريض ممنهج ضد الدولة الجديدة"، لكنه حذر من السلوك "الصبياني" لبعض النشطاء الذين يسعون لتصدر المشهد على مواقع التواصل على حساب الاستقرار الوطني.
مظاهرات مؤيدة للحكومة وصدامات محدودة
بالتزامن مع الاحتجاجات، خرجت مظاهرات داعمة للحكومة السورية في مدينتَي بانياس وجبلة، حيث سار العشرات في الشوارع مردّدين شعارات تؤيد القيادة السورية، فيما احتشد آخرون عند دوّار العمارة في جبلة.
ونقل ناشطون أن بعض العناصر من "فلول النظام السابق" قاموا بالاعتداء على ممتلكات مدنية عند دوّار الأزهري في مدينة اللاذقية، ما أدى إلى أضرار في سيارات الشرطة والمارة.
بالمقابل، نفت مصادر رسمية مزاعم إطلاق النار على المتظاهرين من قِبل قوات الأمن، مؤكدة أن مهمة عناصر الأمن اقتصرت على تأمين المظاهرات وحماية السلم الأهلي.
الداخلية: نضمن حق التعبير ولن نسمح بالفوضى
في أول تعليق رسمي، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء نور الدين البابا، أن الدولة السورية هي الضامن الوحيد لحقوق ومطالب المواطنين، مشيرًا إلى أن قوات الأمن الداخلي عملت على تأمين الاحتجاجات ومنع أي انفلات أمني.
وأوضح البابا أن بعض الجهات التي تسعى لنشر الفوضى في الساحل السوري تتحرك من خارج البلاد، ولا تعبّر عن واقع ومعاناة أبناء المنطقة. كما أشار إلى أن ترديد شعارات طائفية خلال بعض التجمعات يكشف طبيعة الدعوات الموجهة، ويبعدها عن المطالب الحقيقية.
وأضاف أن حق التظاهر مكفول ضمن القانون، لكن دون المساس بالسلم الأهلي أو تعريض الممتلكات العامة والخاصة للخطر، مشددًا على أن الدولة لن تتهاون مع محاولات التخريب أو الاستغلال الخارجي لأي حراك.
خاتمة واستنتاج
تُظهر احتجاجات الساحل أن سوريا تمر بمرحلة دقيقة تتقاطع فيها المطالب الاجتماعية والسياسية مع واقع أمني واقتصادي هش. وتأتي هذه المظاهرات غداة أحداث عنف طائفي شهدتها مدينة حمص في وسط البلاد، تضاف إلى سلسلة اضطرابات مماثلة شهدتها سوريا في الأشهر الماضية، عقب سقوط عائلة الأسد، بعد خمسين عامًا من الإمساك بمقاليد البلاد بيد من حديد.
فقد عُثر الأحد على زوجين مقتولين في بيتهما في بلدة زيدل قرب حمص (وسط)، وقد أُحرقت جثة الزوجة، كما عُثر في مكان الجريمة على عبارات ذات طابع طائفي، بحسب الشرطة. وُجّهت اتهامات لـ"علويين" بالوقوف وراء هذه الجريمة، مما أشعل موجة عنف في عدد من مناطق المدينة التي تضمّ أحياء سنية وأخرى علوية. وقام شبان من العشائر البدوية بأعمال تخريب طالت مساكن وسيارات ومتاجر في أحياء ذات غالبية علوية، قبل أن تفرض السلطات حظرًا للتجوال لاحتواء الوضع.
وكانت وزارة الداخلية قد قالت أمس الاثنين إن جريمة حمص التي أشعلت فتيل هذه الأحداث "ذات منحى جنائي وليست ذات منحى طائفي". من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية للجزيرة إن الأمن الداخلي ألقى القبض على أكثر من 120 من المشتبه في تورطهم في الأحداث الأخيرة في حمص، مضيفًا أنهم سيُقدَّمون للعدالة.