الثلاثاء, 2 ديسمبر 2025 11:59 AM

الثقافة سلاح المقاومة: أقلام فلسطينية تصنع الهوية في وجه الاحتلال

الثقافة سلاح المقاومة: أقلام فلسطينية تصنع الهوية في وجه الاحتلال

المعركة ليست فقط على الأرض، بل هي معركة على الرواية، فالسيطرة على الذاكرة هي مفتاح المستقبل. هذا ما يجسد الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل ضد الوجود الفلسطيني. الصراع في فلسطين يتجاوز مجرد الأرض، فهو معركة وجودية تستهدف الذاكرة الجمعية والهوية الثقافية للشعب الفلسطيني.

المثقفون أدركوا أن الثقافة هي خندق المقاومة الأصيل، والرواية أقوى من الرصاص. تكتسب المعركة الثقافية أهمية مضاعفة في ظل اختلال ميزان القوى وصحوة شعوب العالم، حيث يشكل الأدب والفن لغة إنسانية تتخطى الحدود وتخاطب الوجدان.

هجمات الاحتلال لا تقتصر على المصادرة المادية، بل تمتد إلى طمس الهوية الثقافية عبر الاستيلاء على التراث، مثل الأطباق الشعبية والأزياء التقليدية، وتقديمها كجزء من "التراث الإسرائيلي" المزعوم. كما تشمل قمع الفعاليات الثقافية التي تذكر بالهوية الفلسطينية، وتهديد المقدسات في القدس، وعلى رأسها المسجد الأقصى.

أصوات مبدعة كرست أقلامها لترسيخ الهوية الوطنية، منهم فدوى طوقان التي تحولت نحو شعر المقاومة بعد نكسة 1967، وغسان كنفاني الذي حوّل الأدب إلى سلاح مقاومة، ومعين بسيسو الذي جعل الشعر سلاحاً في وجه القمع، وتوفيق زياد الذي جسد الإرادة الشعبية، وسميح القاسم الذي شكل مع محمود درويش وتوفيق زياد مثلثاً ثقافياً صامداً.

محمود درويش أسس مجلة «الكرمل» واشتغل على إبراز القضية الفلسطينية كقضية إنسانية، ومريد البرغوثي مثل صوت الفلسطيني في المنفى، وناجي العلي خلق شخصية «حنظلة» كرمز للفلسطيني المعذب.

هؤلاء المبدعون جمعوا بين الالتزام القومي والجمال الفني، واستمدوا من التراث الفلسطيني والعربي والإنساني، ونجحوا في نقل القضية الفلسطينية إلى العالم.

واجه المثقفون الفلسطينيون تحدي التشتت الجغرافي، وفي مرحلة الثورة، واجهت عملية تشكيل الفضاء الثقافي الفلسطيني مشكلات، لكن الفلسطينيين المبدعين صعدوا بسبب مواهبهم وإبداعاتهم ومثابرتهم.

أدرك الفلسطينيون أن الثقافة هي خندق المقاومة الأصيل، وسلاح لتثبيت الهوية، ووسيلة لنقل الرواية، وأداة للصمود اليومي. التاريخ يخبرنا أن كل محتل يدرك أن طمس هوية الشعوب المحتلة هو الطريق الأقصر لتدجينها.

تبقى الدروس المستفادة من تجربة فدوى طوقان، غسان كنفاني، معين بسيسو، محمود درويش، توفيق زياد، ناجي العلي وسميح القاسم ونظرائهم كثيرة، أهمها أن الثقافة سلاح لا ينضب، وأن المثقف الحقيقي هو من يظل صوتاً حراً مستقلاً.

اليوم، نشهد صمتاً أو تواطؤاً من بعض النخب، وغياب صوت المثقفين عن مواكبة التحولات الهائلة، ما يدفع إلى استلهام إرث هؤلاء المبدعين الملتزمين. فكما واجهوا محاولات الطمس والاغتيال، يواجه المثقف الفلسطيني اليوم حرباً شاملة على الذاكرة أشد ضراوة. لكن إرث هؤلاء العمالقة يثبت أن الثقافة أقوى من الاحتلال، وأن الكلمة الحق لا تموت بموت كاتبها، وستظل الثقافة الفلسطينية شاهداً على هوية الأرض وأصحابها.

مشاركة المقال: