في تطور ذي دلالات سياسية كبيرة، وصل وفد يمثل الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى دمشق، العاصمة السورية، اليوم الخميس. تُعد هذه الزيارة الأولى من نوعها في تاريخ المجلس منذ تأسيسه في عام 1945، وتتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة وبداية مرحلة جديدة في البلاد.
دخل الوفد عبر معبر جديدة يابوس الحدودي مع لبنان، وبدأ برنامجه بزيارة ميدانية إلى حي جوبر، أحد أكثر الأحياء تضرراً في ريف دمشق، للاطلاع على حجم الدمار الذي خلفته سنوات الحرب. تشمل الزيارة، التي تستغرق عدة أيام، لقاءات مع مسؤولين سوريين، من بينهم الرئيس أحمد الشرع في قصر الشعب، بالإضافة إلى لقاءات مع أعضاء من المجتمع المدني، واللجان المعنية بتقصي الحقائق، والمبعوثة الأممية نجاة رشدي. سيتوجه الوفد بعد ذلك إلى لبنان في محطة لاحقة من جولته.
أكد الكاتب الصحفي السوري عبد الرحيم خليفة، في تصريح لـ "حلب اليوم"، أن الزيارة "تكتسب أهمية خاصة، بالنظر إلى أن مجلس الأمن، وهو أحد تشكيلات الأمم المتحدة المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين، يقوم بهذه الزيارة في ظرف حساس جداً بالنسبة إلى الدولة السورية، والإدارة السورية، والشعب السوري".
من جهته، رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حسام نجار أن "الساحة السورية تشهد حركة دبلوماسية واسعة على كافة الاتجاهات سواء بالخارج أو الداخل، وتعتبر أي زيارة لوفد أممي أو أوروبي خطوة في صالح الدولة السورية، مهما كانت المعطيات والرؤى التي أتوا من خلالها، فمجرد وصول هذه الوفود دليل على الرغبة بالتعافي والاستمرارية، ودليل على أن المجتمع الدولي لديه قناعة بهذه الحكومة، لكن عليه أن يكون قريباً من الأحداث، يشاهدها، يقيمها، يعمل على تثبيتها أو تصحيحها وفق نظرهم".
سياق نادر وإجماع دولي غير مسبوق
تكمن الأهمية الاستثنائية لهذه الزيارة في كونها نتاج إجماع نادر بين الدول الأعضاء الخمسة عشر، وهو أول اتفاق من نوعه على زيارة مشتركة منذ 14 عاماً. يعكس هذا الإجماع تحولاً ملحوظاً في النظرة الدولية تجاه سوريا، وتقبلاً متزايداً للواقع الجديد في البلاد بعد سقوط نظام الأسد.
وصف المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، الزيارة بأنها فرصة لـ "تعزيز الحوار بين الأمم المتحدة وسوريا". وأشار خليفة إلى أهمية الحدث "أمام الانتهاكات التي تتعرض لها سوريا من قبل الكيان الصهيوني، وأمام أيضاً مجموعة الأزمات الداخلية التي ولدتها بعض التيارات السياسية أو التي لا تريد لسوريا خيراً مثل تيار الهجري في جنوب سوريا وتيار قسد في شمال شرق سوريا... أعتقد أن هذه الزيارة اليوم في هذا التوقيت، كما جاء على لسان مندوب سلوفانيا الذي ترأس بلاده مجلس الأمن لهذا الشهر، هي في الحقيقة دعم للسوريين".
ولفت نجار إلى أنه "خلال سنوات الثورة العصيبة والمرعبة على المواطنين، كان الأمل يحدوهم أن يقوم مجلس الأمن بخطوات كبيرة حاسمة ضد الأسد وعصابته ومن ساعده من مليشيات وقوى خارجية ساهمت في تدمير البلد، لكن كان هذا المجلس متفرجاً غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، فلا بد والحالة هذه استعادة ثقة السوريين من خلال دعم الدولة والحكومة الحالية بمختلف النواحي وأهمها التوغل الإسرائيلي المتكرر وإصدار القرارات التي تلزم اسرائيل بعدة نقاط: 1 – التوقف عن التوغل 2- الوقف عن دعم الحركات الانفصالية 3 – المشاركة بتدريب العناصر السورية في مسألة العدالة الانتقالية 4 – التسريع بعودة مؤسسات الأمم المتحدة لسوريا".
تندرج هذه الخطوة ضمن مسار أوسع لإعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي. ففي تطور بالغ الدلالة الشهر الماضي (تشرين الثاني/نوفمبر 2025)، تبنى مجلس الأمن بالإجماع تقريباً قراراً برعاية أمريكية برفع العقوبات المالية والتجارية عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير داخليته، باعتبارهما "إشارة سياسية قوية" تدخل سوريا حقبة جديدة، وصوّت لصالح القرار 14 عضواً، وامتنعت الصين عن التصويت.
الفيتو والعجز أمام القضايا الملحة
تأتي هذه الخطوات الإيجابية على خلفية تاريخ طويل من العجز والانقسام الذي عانى منه مجلس الأمن في التعامل مع القضية السورية. على مدار 14 عاماً من الصراع، أثبتت هيكلية المجلس التي تهيمن عليها الدول الخمس دائمة العضوية صاحبة حق النقض (الفيتو) عجزها عن إيجاد حل. استخدمت روسيا والصين حق النقض عشرات المرات لعرقلة مشاريع قرارات كانت تهدف لفرض عقوبات على النظام البائد السابق أو حماية المدنيين، مما قيّد قدرة الأمم المتحدة على إدارة الأزمة.
هذا العجز ترك انطباعاً عميقاً لدى الشعب السوري بعدم قدرة المجلس على حمايتهم أو إنصافهم، مما أدى إلى فقدان الثقة بمؤسسات الأمم المتحدة. لذلك، تُرى الزيارة الحالية من قبل العديدين كفرصة تاريخية لإعادة بناء هذه الثقة المفقودة.
ويقول نجار إنه يجب أن يضع المجلس في أولوياته "سيادة سوريا وتقييم الخطوات الجدية من الحكومة بالإعمار وحرية الرأي، وتعتبر الزيارة نقطة في بحر من التعاون، وهي هامة لنا كي يطلع الوفد على حجم الدمار والاحتياجات المطلوبة لإعادة الإعمار، والتعاون يجب أن يكون بندية وليس بتبعية فمؤسسات الأمم المتحدة وإمكانياتها واسعة، وتأهيل الكوادر السورية إحدى الطرق التي تساهم بها لسرعة التعافي، كذلك دعم مسيرة الدولة السورية ضد اسرائيل ورغبتها بالتوسع، وإنشاء مراكز للأمم المتحدة داخل سوريا تكون كمدارس مستمرة تعمل على التقييم والتدريب الجزئي، يضاف له تفعيل دور سوريا في مؤسسات الأمم المتحدة من خلال مشاركة عناصر سورية ضمن تلك المؤسسات".
وكان مسؤولون سوريون قد رحبوا بهذه الخطوة الدولية، ووصف المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، القرار السابق برفع العقوبات بأنه "شارة شرف" وعلامة على "ثقة متزايدة في سوريا الجديدة وشعبها وقيادتها"، وأكد أن سوريا "تواصل مد يدها إلى جميع دول العالم".