دمشق-سانا: كشفت زيارات الرئيس أحمد الشرع الخارجية عن استراتيجية جديدة تهدف إلى إعادة سوريا إلى الساحتين العربية والدولية. لم تكن هذه الزيارات مجرد جولات دبلوماسية، بل حملت معاني سياسية عميقة لإعادة رسم خريطة سوريا الخارجية، وتأكيد حضورها في القضايا العالمية، بالإضافة إلى إيصال رسالة مفادها أن سوريا الجديدة تسعى إلى أن تكون دولة فاعلة ومتوازنة، بعد سنوات من العزلة.
أجرى رئيس الجمهورية 21 زيارة خارجية امتدت من الرياض إلى واشنطن، ومن باريس إلى موسكو. كانت أولى وجهاته العاصمة السعودية في الثاني من شباط 2025، حيث التقى ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، وزارها لاحقاً مرتين، في رسالة تؤكد أن سوريا الجديدة ترى في السعودية بوابة العودة إلى المحيط العربي.
شراكة سعودية
صرح الرئيس الشرع: "أجرينا اجتماعاً مطولاً لمسنا وسمعنا من خلاله رغبة حقيقية لدعم سوريا في بناء مستقبلها، وحرصاً على دعم إرادة الشعب السوري ووحدة وسلامة أراضيه، كما تناولنا نقاشات ومحادثات موسعة في كل المجالات، لنصل معاً إلى شراكة حقيقية تهدف إلى حفظ السلام والاستقرار في المنطقة كلها، وتحسين الواقع الاقتصادي للشعب السوري."
في الرابع من شباط، زار الرئيس الشرع العاصمة التركية، وأجرى مباحثات مع الرئيس رجب طيب أردوغان في المجمع الرئاسي بأنقرة، وأكد أن موقف تركيا الإيجابي المشرّف في دعم قضية الشعب السوري العادلة يمثل نموذجاً في الأخوة بين الشعبين. أما الوجهة الثالثة فكانت العاصمة الأردنية عمّان، حيث بحث مع الملك عبد الله الثاني تطوير التعاون والوصول إلى صيغ مشتركة في زيادة واستدامة التنسيق على جميع الصعد، بما يحقق المصالح المشتركة ويعزز وحدة الصف العربي عموماً والعلاقة بين الدولتين الشقيقتين خصوصاً.
عودة إلى الجامعة
في أول مشاركة لسوريا بقمة عربية بعد سقوط النظام، شارك رئيس الجمهورية في "قمة فلسطين" الطارئة التي عقدت في القاهرة في الرابع من آذار، حيث أكد أن الشعب السوري سيكون إلى جانب أشقائه الفلسطينيين في كل خطوة نحو العدالة والتحرير، مشيراً إلى أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية تأكيد على أنها ستسعى إلى تعزيز أمن المنطقة واستقرارها.
التقى الرئيس الشرع على هامش القمة كلاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واللبناني جوزاف عون، ورئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
قمة خماسية
في خطوة غير مسبوقة على الصعيد السياسي، استضافت فرنسا في الـ 28 من آذار قمة عبر "الزووم" جمعت الرئيس أحمد الشرع ونظراءه الفرنسي إيمانويل ماكرون، واللبناني جوزاف عون، والقبرصي نيكوس خريستودوليدس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، وشهدت مناقشات مهمة حول مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية التي تمس الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتناولت العديد من المواضيع الحساسة التي تؤثر على العلاقات بين الدول الخمس.
منتدى أنطاليا
في الـ 11 من نيسان، وصل الرئيس الشرع إلى تركيا للمشاركة في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، وجاءت هذه المشاركة انطلاقاً من إيمان سوريا العميق بأن الحوار والدبلوماسية هما السبيل الأنجع لحل النزاعات وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم. وأجرى الرئيس الشرع على هامش المنتدى لقاءات مع الرئيس أردوغان، والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيسة جمهورية كوسوفو فيوسا عثماني، ورئيس مجلس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن، ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، ورئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية.
وحدة الصف العربي
في الـ 13 من نيسان، حطت طائرة الرئيس الشرع في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وتبادل مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد وجهات النظر حول آخر المستجدات الإقليمية، وآفاق تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات.
دولة قطر كانت وجهة الرئيس الشرع السابعة، حيث وصلها بعد يومين من زيارة الإمارات، وأكد لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد أن الشعب السوري لن ينسى موقف قطر الصادق ودعمها الثابت له، كما عقد اجتماعاً بوساطة قطرية مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وشكّل هذا اللقاء خطوة مهمة على طريق بناء علاقات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
بناء جسور مع أوروبا
إعادة بناء الجسور مع أوروبا كانت عنوان زيارة الرئيس الشرع إلى باريس في السابع من أيار، حيث حل ضيفاً على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، وشدد الرئيس الشرع على حرص سوريا على توطيد علاقات الصداقة مع فرنسا، والعمل المشترك في مختلف المجالات بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين، فيما أكد ماكرون دعم بلاده لوحدة سوريا وسيادتها، معلناً عزمه العمل على رفع العقوبات الأوروبية تدريجياً عنها.
وإلى المنامة وصل الرئيس الشرع في العاشر من أيار، حيث عقد جلسة مباحثات مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة في قصر الصخير، تناولت تنسيق الجهود في القضايا ذات الاهتمام المشترك، في أجواء عكست عمق العلاقات الأخوية بين البلدين.
لقاء ترامب بعد رفع العقوبات
في الـ 13 من أيار، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من العاصمة السعودية الرياض رفع العقوبات عن سوريا، وفي اليوم التالي التقى الرئيسان الشرع وترامب على هامش القمة الخليجية الأمريكية، وشارك في اللقاء ولي العهد السعودي، وهاتفياً الرئيس أردوغان، حيث أعلن الرئيس الأمريكي أن بلاده تبحث تطبيع العلاقات مع سوريا، وأن قراره برفع العقوبات كان لمنح البلاد "فرصة جديدة" للازدهار بعد سنوات طويلة من المعاناة.
زيارة ثالثة إلى تركيا
الزيارة الحادية عشرة كانت إلى إسطنبول في الـ 24 من أيار، وهي الثالثة للرئيس الشرع إلى تركيا، حيث استعرض مع الرئيس أردوغان عدداً من الملفات المشتركة، وانتقل في اليوم التالي إلى أنقرة واجتمع مع جودت يلماز نائب الرئيس التركي، ووزير الخزانة والمالية، ومحافظ البنك المركزي، كما التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، في إطار جهود الحكومة السورية لإعادة بناء علاقات استراتيجية مع واشنطن.
أذربيجان تزود سوريا بالغاز
وجسدت زيارة الرئيس الشرع إلى الكويت في الأول من حزيران ومباحثاته مع أمير الدولة الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الحرص على تعزيز التعاون الثنائي، وتأكيد وحدة الصف العربي بمواجهة التحديات، وأعقبتها في السابع من تموز زيارة ثانية إلى الإمارات، وبعدها بخمسة أيام التقى رئيس الجمهورية في باكو نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، وتم توقيع مذكرة تفاهم على هامش الزيارة لتوريد الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر تركيا.
منتصف أيلول، شارك الرئيس الشرع في القمة العربية الإسلامية الطارئة في قطر، لبحث العدوان الإسرائيلي على الدوحة، والتقى على هامشها أمير دولة قطر، وولي العهد السعودي، والرئيسين التركي واللبناني.
"الحكاية السورية" في نيويورك
في زيارته إلى نيويورك بين الـ 22 و الـ25 من أيلول، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كأول رئيس سوري يشارك بها منذ عام 1967، عرض الرئيس الشرع في خطابه "الحكاية السورية" وقدّم للعالم مسيرة سوريا الجديدة، مبدّداً مشاريع التقسيم، وثبّتت هذه الزيارة مكانة سوريا المستحقّة في المجتمع الدولي بعد عقود من العزلة التي فرضها النظام البائد، حيث أجرى على هامشها 22 لقاءً واجتماعاً ثنائياً ومتعدد الأطراف، في مقدمتها لقاء مع الرئيس ترامب، وشملت أيضاً قادة دول عربية وأوروبية ورؤساء منظمات دولية.
من نيويورك إلى موسكو، وجهة جديدة للرئيس الشرع، إذ التقى في الـ 15 من تشرين الأول نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، وبحثا العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيز التعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات، وأعقب ذلك مشاركة الرئيس الشرع في مبادرة منتدى الاستثمار في السعودية في الـ 28 من تشرين الأول.
وشارك الرئيس الشرع يومي السادس والسابع من تشرين الثاني في الشقّ الرئاسي لمؤتمر قمة المناخ العالمي COP30 في البرازيل، وعقد 10 لقاءات ثنائية مع قادة ومسؤولين دوليين، من بينهم الرئيسان الفرنسي والفنلندي، ورئيسا وزراء هولندا وإسبانيا، والأمين العام للأمم المتحدة.
قمة تاريخية في البيت الأبيض
وتوّج الرئيس الشرع زياراته بلقاء تاريخي في البيت الأبيض مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في العاشر من تشرين الثاني، في أول زيارة لرئيس سوري إلى واشنطن منذ استقلال البلاد عام 1946، بما حملته من رمزية سياسية عميقة تؤكد عودة سوريا كدولة فاعلة على الساحة الدولية. هذه المحطة شكلّت مفصلاً مهماً في مسار إنهاء العقوبات، وفي مقدمتها "قانون قيصر"، وجاءت متزامنة مع مؤشرات الانفتاح الأمريكي تجاه دمشق واستعداد واشنطن للشراكة، نتيجة النجاحات التي حققتها الحكومة السورية داخلياً وخارجياً، وعكس هذا الإنجاز ثمرة كفاح شعب حرّر أرضه بإرادته، ليعيد وضع سوريا في موقع الحل لا الأزمة، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعافي والبناء والتنمية على قاعدة السيادة والثوابت الوطنية.
منتدى الدوحة
الرئيس أحمد الشرع يشارك في النسخة الثالثة والعشرين من منتدى الدوحة 2025، المنعقد بالعاصمة القطرية الدوحة في الـ 6 من كانون الأول 2025 تحت شعار "ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى الواقع الملموس".