يؤكد القاضي حسين حمادة، في تحليله المنشور بتاريخ 15 ديسمبر 2025، أن نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا يمثل مصلحة وطنية عليا تخص جميع السوريين دون استثناء. ويرى أن هذا النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حوار سوري – سوري شامل، يقوم على الاعتراف المتبادل واحترام التنوّع، وتغليب منطق الدولة والمؤسسات على منطق الغلبة.
وفي هذا السياق، يعرب الكاتب عن أمله في أن يكون عام 2026 عاماً للحوار الوطني الجاد، وبناء التوافقات السياسية، والانطلاق نحو دولة القانون والمؤسسات، دولة المواطنة والعدالة، التي تُبنى بإرادة مشتركة ومشاركة متساوية لجميع السوريين.
ملاحظات أساسية تستوجب المراجعة
تبرز ملاحظات أساسية تستدعي مراجعة مسؤولة، ليس بهدف النقد لذاته، بل لإنجاح المرحلة الانتقالية بوصفها فرصة تاريخية لإعادة تأسيس الدولة السورية على أسس عادلة ومستقرة. ويشير الكاتب إلى أن مراجعة المسائل الخاطئة تبقى أقل كلفة بكثير من تصحيح الأخطاء بعد ترسّخها، مما يقود إلى الاعتراف بالنقاط التالية:
- فشل المؤتمر الوطني: كان المؤتمر الوطني غير موفق في التحضير والتنفيذ، حيث اقتصرت مدّته على أربع ساعات فقط لمناقشة إشكاليات نظام حكم استمر 54 عامًا، وإشكاليات ثورة امتدت 14 عامًا، مما جعله أقرب إلى مسرحية.
- الفراغ التشريعي: صدور إعلان دستوري تضمن نصوصًا أقرب إلى دستور دائم، مقابل ضعف التركيز على متطلبات المرحلة الانتقالية وضماناتها السياسية والقانونية، مع حرمان الرئيس المؤقت من إصدار مراسيم تشريعية تتطلبها المرحلة الانتقالية، مما أدخل البلاد في فراغ تشريعي.
- غياب خارطة الطريق: غياب خارطة طريق واضحة ومعلنة للانتقال السياسي، لا تُحدّد المراحل الزمنية والمسارات الدستورية والانتخابية بشكل شفاف.
- محدودية المشاركة: محدودية الإشراك السياسي والمجتمعي، والحاجة إلى توسيع دائرة المشاركة لضمان توافق وطني أوسع، إلى جانب ضرورة تطوير خطاب سياسي أكثر وضوحًا وشمولًا يطمئن السوريين ويؤكّد الطابع التشاركي للمسار الانتقالي.
- تداخل الأدوار: التداخل بين إدارة المرحلة الانتقالية وبناء الدولة الدائمة، بما يستدعي إعادة ترتيب الأولويات وتجنّب الاستعجال غير المحسوب.
- العبث المؤسسي: العبث بهيكلية الدولة ومؤسساتها خارج الأطر القانونية الناظمة لبنائها، وبعيدًا عن الأسس الدستورية والقانونية والإدارية التي تُعدّ على أساسها الإدارات والموازنات والسياسات العامة.
خارطة طريق إجرائية مقترحة
يبدأ تنفيذ ذلك – من الناحية الإجرائية – بالإعداد لمؤتمر وطني شامل، يسبقه حوار وطني معمّق قد يمتدّ لمدة عام كامل. تتولّى تنظيمه والإشراف عليه ومتابعته لجنة مركزية مؤلفة من شخصيات ذات كفاءة وخبرة ومصداقية عامة، وتُناط بها تشكيل لجان فرعية مناطقية وديمغرافية متوازنة، تعمل بالتنسيق معاً على القيام بالمهام الآتية:
- إعداد وصياغة مسودّتَي رؤية سياسية ورؤية تنظيمية، تُطرحان للنقاش العام وتُعرضان على المؤتمر الوطني عند انعقاده.
- استقطاب الشخصيات المعيارية ذات الحضور الاجتماعي والتأثير الفعّال لعضوية المؤتمر الوطني، لضمان تمثيل واسع ومتوازن لمختلف مكوّنات المجتمع السوري.
- توفير رعاية إقليمية ودولية تضمن الظروف السياسية والأمنية واللوجستية الملائمة لانعقاد المؤتمر، مع التأكيد الصريح على عدم جواز أي تدخل في أعماله أو اختيار أعضائه.
- السعي للحصول على اعتراف دولي واضح وصريح بمخرجات المؤتمر الوطني، لضمان تحويل توصياته وقراراته إلى مرجعيات ملزمة تُعتمد في إدارة المرحلة الانتقالية.
مخرجات المؤتمر الوطني المقترحة
يجب أن يكون المؤتمر الوطني "إعلاني إشهاري" وتكون مخرجاته على النحو التالي:
أولاً: التوافق على ميثاق وطني مبني على:
- مبادئ دستورية: تتحدث عن أركان الدولة الوطنية الثلاث (أرض – شعب – سلطة).
- قواعد قانونية: تتحدث عن عناصر السلطات الثلاث (تنفيذية – تشريعية – قضائية).
- قواعد تنظيمية: تتحدث عن برامج الحد الأدنى لأعمال السلطات الثلاث.
ثانياً: التوافق على تشكيل المؤسسات القيادية المؤقتة التالية:
- هيئة سياسية تمثيلية.
- حكومة وحدة وطنية مؤلفة من تكنوقراط (يراعى في تشكيلها مبدأ إدارة المجالس).
- هيئة عدالة انتقالية.
- مجلس تشريعي متخصص (وليس مجلس شعب).
- مجلس قضاء أعلى.
- مجلس قضاء إداري.
- محكمة دستورية.
- جمعية تأسيسية لكتابة مسودة دستور جديد للبلاد، أو التوافق على أسس اختيار هذه الجمعية ومهامها.