تقرير صادم للشبكة السورية: 'الفرع 300' جهاز القمع الخفي في مخابرات الأسد.. 17 ألف معتقل و2463 حالة قتل تحت التعذيب


في تقرير صادم يسلط الضوء على واحدة من أكثر الزوايا المظلمة في منظومة قمع النظام البائد، كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان النقاب عن الدور الحقيقي والمخفي الذي لعبه “الفرع 300”، أو ما عرف رسمياً زمن الأسد المجرم بـ “فرع مكافحة التجسس” التابع لإدارة المخابرات العامة. وقد أظهر التقرير أن الفرع لاحق كل صوت معارض في البلاد، متجاوزاً مهمته المعلنة.
سجل “الفرع 300” وفقاً لتقرير الشبكة أرقاماً مروعة تكشف عن حجم المأساة بداخله منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. وثق التقرير 17,438 حالة اعتقال تعسفي، و2,463 حالة قتل تحت التعذيب. واستند هذا التقرير إلى تحليل دقيق لوثائق أمنية مسربة ومراسلات داخلية، بالإضافة إلى شهادات مؤثرة لناجين وذوي ضحايا، مما رسم صورة مفصلة لفرع كان يعمل في الظلام، متمركزاً في قلب العاصمة دمشق، ليصبح عقبة أساسية في وجه أي محاولة للحرية.
أُنشئ الفرع 300 أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي، بهدف رسمي هو مراقبة الأجانب ومكافحة التجسس. لكن التقرير أكد أن هذه المهمة تشوهت تماماً بعد عام 2011، ليصبح الفرع أداة لتعزيز قدرات النظام الأمنية على مراقبة النشاط السياسي والمجتمعي. توسع مفهوم مراقبته ليشمل أي نشاط تقريباً تحت ذريعة “الاشتباه بالتعامل مع جهات أجنبية”، حيث راقب الفرع الدبلوماسيين والعاملين في المنظمات الدولية، ووصل إلى حد رصد اجتماعات أحزاب ومعارضين سوريين في العواصم المجاورة مثل بيروت، وتحليل التحويلات المالية والاتصالات الدولية لمواطنين سوريين عاديين.
كان المقر الرئيسي للفرع 300 في حي كفرسوسة الأمني بدمشق، في مبنى منغلق تماماً يعكس طبيعة عمله السرية. يتألف المبنى من طابقين، أحدهما سفلي تنتشر فيه الزنازين الفردية والجماعية وغرف التحقيق والتعذيب؛ وطابق علوي يضم مكاتب الضباط وأقسام الأرشفة والاتصالات. كان الفرع يُدار من قبل ضابط برتبة عميد، ويعمل كجزء لا يتجزأ من شبكة المخابرات العامة، وينسق مع فروع أخرى مثل الفرع الداخلي (251) لمراقبة الداخل، والفرع الخارجي (279) لتتبع المغتربين، والفرع الفني (280) للتنصت والمراقبة التقنية. وقد جعل هذا التنسيق المحكم الفرع حلقة أساسية في شبكة القمع الأمني التي ترفع تقاريرها مباشرة إلى مكتب الأمن الوطني، وبالتالي إلى قمة هرم السلطة في نظام المخلوع بشار الأسد.
لم تكن الانتهاكات في الفرع 300 عشوائية، بل كانت جزءاً من سياسة ممنهجة. كان الاعتقال التعسفي واسعاً، حيث لم يكن الفرع بحاجة لمذكرات قضائية، بل كان يكفي اتصال هاتفي دولي أو شكوك في الولاء السياسي ليصبح الشخص هدفاً. كان المعتقلون يُحالون إلى الفرع 300 لتحقيق أولي، قبل نقلهم إلى فروع أكثر دموية مثل 215 أو سجن صيدنايا. وركزت جلسات الاستجواب على تهم جاهزة، حيث مارس المحققون أبشع أشكال التعذيب لانتزاع الاعترافات، بما في ذلك الصعق الكهربائي والتعليق والحرمان من النوم. كما مارس الفرع سياسات ابتزاز مالي بحق عائلات المعتقلين، ورصد الاتصالات الدولية دون إذن قضائي، وحرم المعتقلين من الرعاية الصحية.
تقف وراء الأرقام الباردة قصص إنسانية مروعة. أحمد الفاتح، مواطن سوداني كان يقيم في بريطانيا، اعتقل في دمشق عام 2011 بتهمة التجسس، وتعرض لتعذيب شديد قبل الإفراج عنه بعد سنوات من الاحتجاز في سجن صيدنايا. وتروي ليلى خالد، ناشطة من محافظة حمص، كيف اعتُقلت عام 2012 في دمشق واحتُجزت في الزنازين المظلمة وتعرضت لضغوط نفسية وجسدية هائلة قبل نقلها إلى سجن عدرا المركزي. وتتشابه معها شهادة كريم عبد الرحمن، الموظف الحكومي من دمشق، الذي اعتُقل عام 2013 وتعرض لصدمات كهربائية خلال استجوابات قاسية، ولم يُفرج عنه إلا بعد أن دفعت عائلته مبالغ مالية كبيرة.
يؤكد التقرير أن هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وأنها لم تكن أعمالاً فردية بل سياسة دولة ممنهجة. ووفقاً لمبدأ المسؤولية القيادية، يتحمل قادة إدارة المخابرات العامة مسؤولية مباشرة عن الجرائم. ويشير التقرير إلى ثلاثة أشخاص تولوا قيادة الإدارة خلال فترة ذروة الانتهاكات منذ عام 2011: اللواء زهير حمد (2011–2012)، واللواء محمد ديب زيتون (2013–2019)، واللواء حسام محمد لوقا (2020–2024). وتدل استمرارية القيادة على أن سياسات القمع كانت استراتيجية متعمدة من أعلى المستويات.
يخلص التقرير إلى أن جرائم الفرع 300 لا تسقط بالتقادم، ويجب محاسبة المسؤولين عنها. ويوصي التقرير بمساءلة جميع ضباط النظام البائد المتورطين، بمن فيهم القادة الثلاثة الذين تولوا رئاسة المخابرات العامة. كما يشدد على ضرورة إعادة هيكلة أي جهاز استخبارات جديد لضمان الرقابة البرلمانية والقضائية، وحماية الضحايا والشهود، وضمان حق العائلات في معرفة مصير أبنائها المختفين قسراً من خلال الحفاظ على أرشيف الفروع الأمنية.
سياسة سوريا
⚠️محذوفسياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا