الكشف عن أسرار مقابر الأسد الجماعية: تحدي تحديد هويات أكثر من 160 ألف مفقود في سوريا


مع ظهور العشرات من المقابر الجماعية في سوريا، تواجه الإدارة الجديدة تحدياً هائلاً يتمثل في تحديد هويات الضحايا وتوفير الإغلاق لعائلات أكثر من 160 ألف شخص لا يزالون في عداد المفقودين في البلاد. وتتركز هذه الجهود في مناطق مختلفة، بما في ذلك الاكتشافات الأخيرة في ريف دمشق وشمال حمص وحماة.
في حي التضامن، الواقع في الضواحي الجنوبية لدمشق، لا يزال الماضي يلقي بظلاله. هذا الحي كان مسرحاً لما يُعرف بـ مجزرة التضامن، حيث قُتل 288 مدنياً على يد ميليشيات موالية للنظام في أبريل 2013. وقد تم تسريب مقاطع فيديو للقتل، صوّرها الجناة أنفسهم، للباحثين قبل أن تُنشر علناً في عام 2022. وتُظهر اللقطات رجالاً ونساءً معصوبي الأعين يُجبرون على الركض نحو حفرة محفورة حديثاً، أو يُلقون بداخلها ويُطلق عليهم الرصاص، ثم تُحرق وتُدفن جثثهم.
منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، تم العثور على ما لا يقل عن 66 مقبرة جماعية في جميع أنحاء سوريا. ويحمل كل موقع إجابات محتملة حول مصير بعض المفقودين. ويُعد تحديد هويات الموتى وتقديم الإجابات للأحياء أحد أكبر التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة، ومطلباً مركزياً لآلاف العائلات التي تبحث عن أحبائها المفقودين خلال حقبة الأسد.
في مارس 2025، أنشأت الحكومة السورية الجديدة المركز السوري للتعرف على الهويات (SIC)، وهو أول هيئة من نوعها في البلاد تعمل على فحص الرفات مجهولة الهوية جنائياً. يقع المركز في حي البرامكة بدمشق، ويقوم موظفوه باستلام بلاغات منتظمة لاسترداد الرفات، سواء كانت موجودة في الأراضي الزراعية أو في أقبية المباني السكنية أو فوق سطح الأرض.
أوضح الدكتور أنس الحوراني، طبيب الأسنان الشرعي ورئيس المركز السوري للتعرف على الهويات (SIC)، أن مهمة تحديد الهوية صعبة ومكلفة. وأشار إلى أنه عندما تتراكم الجثث وتختلط العظام بعد تحلل الأنسجة، يتطلب الأمر أخذ عينة من كل جزء عظمي، مما يجعل العملية شاقة من حيث الوقت والتكاليف.
من جانبها، قالت زينة شحلا، المتحدثة باسم الهيئة الوطنية السورية للمفقودين (NCMP)، إن "العشرات" من المواقع التي تحتوي على رفات بشرية قد تم العثور عليها منذ تأسيس الهيئة في مايو 2025. وتعمل الهيئة على حفظ وحماية هذه المواقع ونقل الرفات إلى مركز تحديد الهويات لإجراء الفحوصات الأولية.
ويشدد المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، وهو منظمة حقوقية، على ضرورة عدم المساس بالمواقع المشتبه بها حتى تتوفر الموارد الكافية للتعامل السليم مع الرفات. ويُفضل عدم استخراج الرفات إذا لم تتوفر القدرة على تحليلها وتخزينها بأمان واستخراج عينات الحمض النووي، لتجنب تعرضها للتلف.
في نوفمبر 2025، وقعت الهيئة الوطنية السورية للمفقودين (NCMP) اتفاقية تعاون مع اللجنة الدولية للمفقودين (ICMP)، واللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC)، والمؤسسة المستقلة للأمم المتحدة للمفقودين في سوريا. وتعمل الهيئة حالياً على تجميع قاعدة بيانات وطنية للمفقودين بناءً على المعلومات التي تقدمها العائلات، بما في ذلك الخصائص الشخصية ومكان الفقد وأي معلومات بعد الاعتقال.
بالنسبة لعائلات المفقودين، يمثل العثور على أحبائهم وتحديد هويتهم مسألة إغلاق روحي. هذا الإغلاق لم يجده بسام ناصر علي (49 عاماً)، الذي يبحث عن شقيقيه منذ 12 عاماً.
في عام 2013، اعتقلت قوات الأمن السورية شقيقه أحمد سليمان علي، الذي كان يبلغ من العمر 17 عاماً، من منزل العائلة في السيدة زينب. أما شقيقه الآخر، عاصم ناصر علي، الذي قاتل مع قوات المعارضة في مخيم اليرموك، فقد اختفى في عام 2018 عندما كان يبلغ 23 عاماً بعد اعتقاله عند حاجز للنظام في قرية خربة الورد.
بحث والدهما، ناصر محمود علي، عنهما في عدد من الفروع الأمنية، بما في ذلك الفرع 235 سيئ السمعة التابع لإدارة المخابرات العسكرية (المعروف أيضاً بفرع فلسطين)، دون جدوى. وفي عام 2015، أبلغ قاضٍ عسكري الأب بأن جثة أحمد موجودة في مستشفى دمشق، لكن العائلة لم تجرؤ على الذهاب لاستلامها خوفاً من أن تكون فخاً. لا تزال العائلة تبحث، رغم اعتقادها بأن جميع أقاربها المعتقلين قد ماتوا.
قال بسام ناصر علي: "آمل أن نجد رفاتهم. حتى لو تمكنا فقط من وضعها في كيس، فهذا كل ما أتمناه".
بالنسبة للدكتور الحوراني، فإن العمل المضني لتحديد الرفات وتقديم الإغلاق للعائلات هو "واجب إنساني" قبل أن يكون مهنة. وأضاف: "عندما يتم العثور على هذا الشخص، وتُجرى إجراءات الدفن بشكل صحيح، يمكنهم تلاوة الفاتحة وتنفيذ الإجراءات القانونية الرسمية. هذه هي بداية نهاية حزنهم".
سياسة سوريا
⚠️محذوفسياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا