العقيد يوسف الجادر (أبو فرات): الذاكرة التي عادت واجبًا بعد سقوط نظام الأسد


«أنا حزين… هذه الدبابات دباباتنا، وهذا العتاد عتادنا، والذين يموتون إخوتنا». بهذه الكلمات المؤثرة، التي نطق بها قبل ساعات من استشهاده، يُستذكر اليوم العقيد يوسف الجادر، المعروف بـ أبو فرات، في ذكرى رحيله. إن استحضار اسم أبو فرات لم يعد مجرد استرجاع لشخصية من الماضي، بل أصبح جزءًا من واجب الذاكرة الذي فُتح من جديد إثر سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
إن سقوط النظام الذي حكم سوريا لعقود عبر القمع والتغييب أتاح فرصة حقيقية لإعادة سرد تاريخ الثورة السورية من منظور أهلها، بعيداً عن تشويه الدعاية الرسمية وسنوات الحرب. وفي خضم هذا التحوّل، بات من الضروري تسليط الضوء على أسماء شهداء الثورة السورية الذين جرى تغييبهم عمدًا عن الوعي العام، وحُرمت أجيال كاملة من معرفة مواقفهم وأصواتهم.
وُلد يوسف الجادر عام 1970 في مدينة جرابلس، وبدأ مسيرته العسكرية بعد تخرجه من الكلية الحربية في حمص عام 1993 برتبة ملازم أول. أمضى سنوات طويلة في سلاح المدرعات، وتدرّج حتى وصل إلى رتبة عقيد وقائد لكتيبة دبابات في اللاذقية، وهو موقع بالغ الحساسية ضمن البنية العسكرية للنظام.
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، واجه الجادر اختباراً أخلاقياً عميقاً. ورغم صعوبة القرار، أعلن في 18 تموز/يوليو 2012 انشقاقه عن الكتيبة 692 مدرعات، لينضم إلى صفوف الجيش السوري الحر عبر لواء التوحيد، حيث عُرف بلقب أبو فرات. ارتبط هذا الاسم لاحقاً بخطاب مغاير في زمنٍ طغى عليه منطق القوة العسكرية.
شارك أبو فرات في معارك مفصلية في حلب وريفها، وكان له حضور بارز في حي صلاح الدين. وتصاعد دوره في معركة مدرسة المشاة التي بدأت في 13 كانون الأول/ديسمبر 2012. لم يقتصر دوره هناك على القيادة العسكرية، بل تجسد في رؤية سعت للموازنة بين تحقيق الأهداف العسكرية وتقليل الخسائر البشرية. لقد سعى للتفاوض، ودعا جنود النظام للانشقاق، وأبدى حزناً علنياً على مقتلهم، مؤكداً أنهم ضحايا قرار سياسي.
تميّز أبو فرات بخطاب علني نادر في تلك المرحلة، حيث رفض الطائفية بوضوح وخاطب السوريين على اختلاف انتماءاتهم، محذراً من الانجرار إلى صراع أهلي. هذه الكلمات، التي أثارت الجدل حينها، تُقرأ اليوم كجزء أصيل من أخلاقيات الثورة السورية التي يسعى السوريون لاستعادتها بعد زوال النظام الذي شوّه روايتها. في 15 كانون الأول/ديسمبر 2012، أي بعد يوم واحد من إعلان السيطرة على معظم مدرسة المشاة، استُهدف مقر أبو فرات بقذيفة مدفعية أطلقتها قوات النظام، ليستشهد على الفور مع عدد من رفاقه.
إن استذكار يوسف الجادر اليوم هو فعل مقاومة للطمس الذي مارسه نظام الأسد طوال سنوات، ومحاولة لتعريف جيل جديد نشأ في ظل التعتيم والدعاية بوجوه الثورة الحقيقية. تثبت سيرة أبو فرات أن الثورة لم تكن مجرد سلاح أو فوضى، بل كانت مواقف وأصواتاً ورجالاً اختاروا دفع الثمن دون التخلي عن إنسانيتهم، مجسداً الثورة كما أرادها كثير من أبنائها: ثورة حرية، لا ثورة كراهية.
⚠️محذوفسياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا