التكلفة الباهظة والخطوط الحمراء: لماذا تخلت تركيا عن عملية برية واسعة ضد "قسد" في سوريا؟


تراجعت تركيا عن خططها لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في شمال سوريا، على الرغم من التهديدات المتكررة الصادرة عن أنقرة. ويُرجع مراقبون هذا التراجع إلى وجود خطوط حمراء دولية رفعت التكلفة الجيوسياسية والعسكرية للمضي قدماً في العملية، لتصبح أكبر من المنفعة المتوقعة.
يشير التحليل إلى أن هذا التراجع ليس تجميداً كاملاً للأهداف التركية، بل هو تحوّل استراتيجي. فقد انتقلت أنقرة من خيار الغزو المباشر (الذي ترفضه كل من أميركا وروسيا) إلى استراتيجية الضربات الجوية المركزة. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى إضعاف البنية التحتية لقوات سوريا الديموقراطية (قسد) وإجبارها على الاندماج في الجيش السوري النظامي، وهو الهدف التركي المعلن الذي يجري التفاوض بشأنه مع دمشق كبديل أقل تكلفة لتحقيق الأمن الحدودي.
أصبحت تكلفة المخاطرة بعقوبات أميركية جديدة أغلى بكثير من مكاسب التوسّع البرّي. وبذلك، تحوّلت الاستراتيجية التركية من "الاحتلال المباشر" إلى "الإخضاع المنهجي" عبر القصف الجوي، ما يؤكد أن الأمن التركي يُحسم حالياً في غرف العمليات الديبلوماسية والمالية بدلاً من ساحات القتال.
من مدينة أزمير التركية، قدّم الباحث والكاتب السياسي أحمد أحمد تحليلاً مفصّلاً للعوامل التي تشلّ القرار التركي بشنّ هجوم عسكري واسع النطاق ضد قسد. وربط أحمد، في حديثه لـ"النهار"، التردد التركي بالتحديات الأمنية الداخلية المتوقعة، والانقسامات السياسية العميقة في أنقرة، والضغوط الاقتصادية غير المسبوقة، بالإضافة إلى القدرات العسكرية المتزايدة لـ"قسد".
أشار أحمد إلى أن غياب أي خطة عسكرية تركية وشيكة ضد "قسد" يعود إلى سلسلة من الاعتبارات الاستراتيجية والاجتماعية التي تدركها القيادة التركية جيداً، ومن أبرزها:
تبرز أيضاً قدرة "قسد" على الردع، حيث تمتلك حالياً أسلحة متطورة تشكل قوة لا يستهان بها. وأشار الباحث التركي إلى تقرير أميركي حديث يؤكد قدرة "قسد" على ضرب طائرات تركية بدون طيار، مما سيكبّد تركيا خسائر اقتصادية تجاوزت 130 مليون دولار.
لا يقتصر التردد التركي على المخاطر الخارجية، بل يغذيه خليط من التحديات الداخلية التي تضعف قدرة الرئيس رجب طيب أردوغان على اتخاذ قرار الحرب. تمر تركيا بأسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية منذ سنوات، حيث شهدت الليرة التركية تراجعاً كبيراً أمام الدولار، مع ارتفاع غير مسبوق في نسب التضخم والبطالة. كما تعارض قوى المعارضة الداخلية أي عمل عسكري ضد "قسد"، رافضة التسبّب بحرب أهلية أو إقليمية.
ويدرك أردوغان أن الحفاظ على سلطته يتطلب استرضاء الكرد في تركيا، خاصة بعد تراجع أصوات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة وفقدان الثقة الشعبية به. ويرى أحمد أن تركيا والدولة العميقة فيها هما العائق الرئيسي أمام تنفيذ "اتفاقية 10 آذار". وهناك انقسام واضح في الرؤى بين حكومة العدالة والتنمية التي تدعو لاندماج "قوات سوريا الديموقراطية" مع حكومة دمشق، والدولة العميقة (ممثلة بدولت بهجلي) التي ترفض هذا الاندماج، معتبرة إياه تهديداً جديداً للأمن القومي التركي.
⚠️محذوفسياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا